السبت، 25 نوفمبر 2023

تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)

الجمعة، 24 نوفمبر 2023

تفسير مقاتل بن سليمان: مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن عقيل بن زيد الشهرزورى—رضي الله عنه—قال: حدثنا القاضى أبو عبد الله محمد بن على بن زادلج، قال: حدثنا عبد الخالق ابن الحسن، قال عبيد الله بن ثابت بن يعقوب الثورى المقرئ، قال: حدثنا أبى، قال: حدثنا الهذيل بن حبيب أبو صالح الزيدانى عن مقاتل بن سليمان عن ثلاثين رجلا منهم اثنى عشر رجلا من التابعين منهم من زاد على صاحبه الحرف ومنهم من وافق صاحبه فى التفسير فمن الإثنى عشر عطاء بن أبى رباح، والضحاك بن مزاحم، ونافع مولى ابن عمر، والزبير وابن شهاب الزهرى، ومحمد بن سيرين، وابن أبى مليكة، وشهر بن حوشب، وعكرمة، وعطية الكوفى، وأبو إسحاق الشعبى، ومحمد بن على ابن الحسين بن على، ومن بعدهؤلاء قتادة ونظراؤه حتى ألفت هذا الكتاب. قال عبد الخالق بن الحسن: وجدت على ظهر كتاب عبيد الله بن ثابت عن أبيه تمام الثلاثين الذين روى عنهم مقاتل. قال: حدثنا الهذيل، قال: رجال مقاتل الذين أخذ التفسير عنهم سوى من سمينا قتادة بن دعامة، وسليمان بن مهران الأعمش، وحماد ابن أى سليمان، وإسماعيل بن أبى خالد، وابن طاوس اليمانى، وعبد الكريم وعبد القدوس صاحبى الحسن، وأبو روق، وابن أبى نجيح، وليث بن سليم، وأيوب وعمرو بن دينار، وداود بن أبى هند، والقاسم بن محمد، وعمرو بن شعيب، والحكم بن عتبة، وهشام بن حسان، وسفيان الثورى. ثم قال أبو محمد: قال أبى. فقلت لأبى صالح: لم كتب عن سفيان وهو أكبر منه؟ فقال: إن مقاتل عُمِّرَ فكتب عن الصغار والكبار.

الأحد، 12 نوفمبر 2023

تفسير مقاتل بن سليمان: مقدمة التحقيق

بين يديك تفسير مقاتل بن سليمان البلخي المتوفي سنة 150 هـ.

وهو أقدم تفسير كامل للقرآن وصل إلينا، جمع فيه مقاتل بن سليمان بين النقل والعقل أو بين الرواية والدراية. وتميز تفسير مقاتل بالبساطة واليسر والاعتماد على تفسير القرآن الكريم بالقرآن.

الخميس، 2 نوفمبر 2023

كفاية الأخيار: (فصل: وكل مائع خرج من السبيلين نجس إلا المني)

 (فصل: وكل مائع خرج من السبيلين نجس إلا المني)

لا بد من معرفة النجاسة أولا لأن ما خرج من السبيلين هو أحد أنواع النجاسة. ثم النجاسة لغة هي كل مستقذر، وفي الشرع عبارة عن كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكانه لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها في بدن أو عقل، فقوله على الإطلاق احترز به عن النباتات السمية فإنه يباح منها القلييل دون الكثير، وقوله مع إمكانه احترز به عن الأحجار والأشياء الصلبة فإنه لا يمكن تناولها على الإطلاق أي أكلها، وقوله لا لخرمتها احترز به عن المحترم كالآدمي، وقوله أو استقذارها احترز به عن المخاط ونحوه وبقية ما ذكرنا في الحد احترز به عن التراب فإنه يضر بالبدن والعقل، وينبغي أن يزيد في الحد في حال الإختيار ليدخل في الحد الميتة فإنه يباح أكله عند الضرورة مع النجاسة في ذلك الوقت حتى إنه يجب عليه غسل فمه، إذا عرفت هذا فاعلم أن المنفصل عن باطن الحيوان نوعان: أحدهما ما ليس له اجتماع واستحالة في الباطن وإنما يرشح  رشحا كاللعاب والعرق ونحوهما فله حكم الحيوان المترشَّحِ منه إن كان نجسا فنجس وإلا فطاهر، النوع الثاني ما له استحالة كالبول والعذرة والدم والقيء: فهذه الأشياء كلها نجسة من جميع الحيوانات المأكولة وغيرها، ولنا وجه أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران، وبه قاله الأصطخري والروياني وهو مذهب مالك وأحمد رضي الله عنهما وتمسكوا بأحاديث هي معارضة، وقد وقع الإجماع على نجاسة هذه الأشياء من غير المأكول، ويقال المأكول على غيره لأنه متغيرة مستحيلة مستقذرة، واحتج لنجاسة البول بحديث الأعرابي  الذي بال في المسجد حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (بصب ذنوب  من ماء عليه فصُبَّ)  والذنُوب بفتح الذال: الدلو المملوء قال النووي: وفيه إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه، ولا فرق بين بول الصغير والكبير بإجماع من يعتد بإجماعه: نعم يكفي في بول الصغير النضح، واحتج له بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام (مرَّ بقبرين فقال إنهما يعذبان: فكان أحدهما يمشي بالنميمة،  وأما الآخر فكان لا يستتر  من البول)  وفى رواية (لا يستنزه) وفي رواية (لا يستبرئ) وكلها صحيحة ومعناهن لا يجتنبه ويحترز منه. وأما نجاسة الغائط فحجته مع الإجماع قوله صلى الله عليه وسلم لعمار (إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والمذي والقيء).  رواه الإمام أحمد وخرجه الدارقطني والبزار ويدخل في قول الشيخ المذي لأنه خارج من أحد السبيلين، وحجو نجاسته حديث علي رضي الله عنه في قوله: (كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرتُ المقداد فسأله فقال: يغسل ذكره ويتوضأ)  رواه مسلم، والمذي أبيض رقيق لزج يخرج بلا شهوة عند الملاعبة والنظر. ويدخل في كلام الشيخ أيضا الودِّي وهو أبيض كدرٍ ثخين يخرج عقب البول من مخرج البول ولا فرق في نجاسة ما خرج من اليسبيلين بين أن يكون معتادا كالبول والغائط ولا كالدم والقيح نعم يستثنى من ذلك الدود والحصاة وكل متصلب لم تحله المعدة فهو متنجس لا نجس، وعنه احترز الشيخ بقوله مائع، وأما المني فهل نجس أم طاهر؟ ينظر إن كان من الآدمي ففيه خلاف بين الأئمة وفى مذهبنا طاهر، والذى ذهب إليه مالك وأبو حنيفة أنه نجس وحجتهما رواية الغسل ولفظها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة فى ذلك الثوب) ومذهب الشافعى وأصحاب الحديث وذهب إليه خِلَقٌ منهم علي بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين أنه طاهر، وهو أصح الروايتين من الإمام أحمد، وبه قال داود، ودليل هؤلاء رواية الفرك، ولفظهما قول عائشة رضي الله عنها (لقد رأيتُنِي أَفْرُكُ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم المني فركا فيصلى فيه) ولو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره، ورواية الغسل محمولة على الندب واختيار النظافة جمعا بين الأدلة ولا فرق في ذلك بين مني الرجل والمرأة على المذهب (*) وأما مني غير الآدمي فإن كان مني الكلب أو خنزير أو فرع أحدهما فهو نجس بلا خلاف كأصلهما، وأما ما عداهما من بقية الحيوانات ففيه خلاف الراجح عند الرافعى أنه نجس لأنه مستحيل فى الباطن كالدم، واستثنى منه مني الآدمي تكريما له، والراجح عند النووى أنه طاهر وقال إنه الأصح عند المحققين والأكثرين لأنه أصل حيوان طاهر فكان طاهرا كالآدمي، وفى وجه أنه نجس من غير المأكول طاهر منه كاللبن والله أعلم. قال: 

الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

كفاية الأخيار: (فصل* والذى يبطل التيمم ثلاثة أشياء: ما يبطل الوضوء ورؤية الماء فى غير الصلاة، والردة)

(فصل* والذى يبطل التيمم ثلاثة أشياء: ما يبطل الوضوء ورؤية الماء فى غير الصلاة، والردة) إذا صح التيمم بشروطه ثم أحدث بطل تيممه لأن طهارة تبيح الصلاة فيبطل بالحدث كالوضوء ولا فرق فى هذا بين التيمم عند عدم الماء أو مع وجوده كتيمم المريض. فلو تيمم لفقد الماء ثم رأى الماء قبل الدخول فى الصلاة بطل تيممه لقوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته) قال الترميذى حسن صحيح ولأن الماء أصل والتيمم بدل فأشبه رؤية الماء فى أثناء التيمم فإنه يبطله قال إبن الرفعة بالإجماع (*) واعلم أن توهم وجود الماء كرؤيته كما إذا رأى سرابا فظنه ماء أو أطبقت بقربه غمامة أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء، وهذا كله إذا لم يقارن الماء ما يمنع القدرة على استعماله، فإن كان هناك ما يمنع استعماله كما إذا رأى ماء وهو محتاج إليه لعطش كما مر أو كان دون الماء حائل من سبع أو عدو أو رآه فى قعر بئر  وهو يعلم حال رؤيته تعذر استعماله فلا يبطل تيممه لأن هذه الأسباب لا تمنع صحة التيمم ابتداء فلا تبطله أولى، أما إذا رأى الماء فى أثناء الصلاة نظر: إن كانت الصلاة تغنيه عن القضاء كصلاة المسافر فظاهر المذهب ونص عليه الشافعى أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه لأنه متيمم دخل فى صلاة لا يعيدها فأشبه ما لو رآه بعد الفراغ منها، ولأن فيه إبطال عبادة يجزئه ولأنه بالشروع فى الصلاة قد تلبس بالمقصود، ووجد أن الأصل بعد التلبيس بمقصود البدل لا يبطل حكم البدل كما لو شرع المكفر فى الصيام ثم وجد الرقبة لا يلزمه إخراج الرقبة، وإن كانت الصلاة لا تغنيه عن القضاء كصلاة الحاضرة بالتيمم بطلت على الصحيح لأنها لا يعتد بها إذا تمت ويجب قضاؤها فلا حاجة إلى إتمامها وإعادتها وقيل يتمها ويعيدها. والله أعلم.

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ: وَشَرَائِطُ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ أَشْيَاءَ: وُجُوْدُ الْعُذْرِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ).

 (فَصْلٌ: وَشَرَائِطُ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ أَشْيَاءَ: وُجُوْدُ الْعُذْرِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ).

التيمم لغة هو القصد يقال يممك فلان بالخير إذا قصدك، وفي الشرع عبارة عن إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة. والأصل في جوازه الكتاب والسنة، وسنورد الأدلة في مواضعها. ثم ضابط جواز التيمم العجز عن استعمال الماء إما لتعذره أو لعسره لخوف ضرر ظاهر. وللعجز أسباب: منها السفر، والمرض. والأصل في ذلك قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى وإن كنتم مرضى فتيمموا وإن كنتم على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا.

الاثنين، 30 أكتوبر 2023

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ* وَالْمَسْحُ عَلَى الخُفَيْنِ جَائِزٌ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يَبْتَدِئَ لُبْسُهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَأَنْ يَكُوْنَا سَاتِرَيْنِ لِمَحَلِّ الْغُسْلِ مِنَ الْقَدَمَيْنِ، وَأَنْ يَكُوْنَا مِمَّا يُمْكِنُ مُتَابِعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا)

(فَصْلٌ* وَالْمَسْحُ عَلَى الخُفَيْنِ جَائِزٌ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يَبْتَدِئَ لُبْسُهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَأَنْ يَكُوْنَا سَاتِرَيْنِ لِمَحَلِّ الْغُسْلِ مِنَ الْقَدَمَيْنِ، وَأَنْ يَكُوْنَا مِمَّا يُمْكِنُ مُتَابِعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا) الأصل فى جواز المسح ما رواه مسلم عن جرير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه وكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة: فلا تكون آية المائدة الدالة على غسل الرجلين ناسخة للمسح قال النووى وغيره وأجمع من يعتد به فى الإجماع على جواز المسح على الخفين فى الحضر والسفر سواء كان لحاجة أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذى لا يمشى والله أعلم، وأنكر الرافضة ومن تبعهم الجواز، وكذلك الشيعة والخوارج، قال الحسن البصرى. حدثنى سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يمسح على الخفين، وقد روى المسح من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلائق لا يحصون نعم هل الغسل أفضل لأنه الأصل، وبه قالت الشافعية وجماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصارى رضي الله عنهم أم المسح أفضل؟ وبه قال جمع من التابعين: منهم الشعبى وحماد والحكم فيه من خلاف، وعن أحمد رويتان والراجح منهما المسح أفضل، والثانية هما سواء واختاره ابن المنذر من أصحاب الشافعى، والله أعلم: وفيه أحاديث سنوردها فى محلها إن شاء الله تعالى.

الأحد، 29 أكتوبر 2023

كفاية الأخيار: (فصل* وفرائض الغسل ثلاثة أشياء: النية وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه)

 (فصل* وفرائض الغسل ثلاثة أشياء: النية وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه) نية الغسل كما فى الوضوء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ومحل النية أول جزء مغسول من البدن، وكيفيتها أن ينوي الجنب رفع الجنابة أو رفع الحدث الأكبر عن جميع البدن ولو نوى رفع الحدث ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها صح غسله على الأصح لأن الحدث عبارة عن المانع من الصلاة وغيرها على أي وجه فرض وقد نواه، ولو نوى رفع الحدث الأصغر متعمدا لم يصح فى الأصح لتلاعبه وإن غلط فظن أن حدثه أصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء، وفى أعضاء الوضوء وجهان الراجح ترتفع عن الوجه واليدين والرجلين لأن غسل هذه الأعضاء واجب فى الحدثين. فإذا غسلها بنية غسل واجب كفى دون الرأس على الراجح لأن الذى نواه فى الرأس المسح والمسح لا يغنى عن الغسل. ولو نوى الجنب استباحة ما يتوقف الغسل عليه كالصلاة والطواف وقراءة القرآن أجزأه وإن نوى ما يستحب له كغسل الجمعة ونحوه لم يجزه لأنه لم ينو أمرا واجبا، ولو نوى الغسل المفروض أو فرضية الغسل أجزأه قطعا قاله فى الروضة، وتنوى الحائض رفع حدث الحيض فلو نوت دفع الجنابة متعمدة لم يصح كما لو نوى الجنب رفع الحيض، وإن غلطت صح غسلها ذكره فى شرح المهذب، وتنوى النفساء رفع حدث النفاس فلو نوت رفع حدث الحيض قال ابن الرفعة لا يصح، وقال الإسنانى ينبغى أن يصح.

واعلم أن تقديم إزالة النجاسة شرط لصحة الغسل. فلو كان على بدنه نجاسة فغسل بدنه بنية رفع الحدث وإزالة النجس طهر عن النجس، وهل يرتفع حدثه أيضا فيه خلاف، الراجح عند الرافعى أن لا يرتفع حدثه والراجح فى زيادة الروضة أنه يرتفع حدثه، ومنشأ الخلاف أن الماء هل له قوة رفع الحدث وإزالة النجس معا أم لا؟ ثم أن النووى فى شرح مسلم وافق الرافعى على أن الغسلة لا تكفى. والله أعلم. قال:

(وإيصال الماء إلى أصول الشعر والبشرة) يجب استيعاب البدن بالغسل شعرا وبشرا سواء قل أو كثر وسواء خف أو كثف وسواء شعر الرأس والبدن وسواء أصوله أو ما استرسل منه، قال الرافعى: لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعور وانقوا البشرة)، وهذا الحديث ضعيف بالتفاق الحافظ منهم الشافعى والبخارى حتى النووى نعم يحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم" (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسله يفعل به كذا وكذا من النار... قال علي بن أبى طالب كرَّم الله وجهه فمن ثم عاديت شعر رأسى وكان يجُزُّ شعره) رواه أبو داود ولم يضعفه فيكون صحيحا أو حسنا على قاعدته، وقال النووى إنه حسن، وقال القرطبى إنه صحيح.

واعلم أنه يجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض. ولا يجب إن وصل، وحديث أم سلمة رضي الله عنها وهو فى صحيح مسلم (قلت يا رسول الله إنى امرأة أشُدُّ ضَفْرَ رأسى فأنقضه لغسل الجنابة قال إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث جثيات، ثم تفيضى عليه الماء فتطهرين) محمول ما إذا كان الشعر خفيفا، والشد لا يمنع من وصول الماء إليه وإلى البشرة جمعا بين الأدلية، وهل يسامح بباطن العقد على الشعرات؟ فيه خلاف الراجح عند الرافعى أنه يسامح به للسرب والراجح عند النووى أنه لا يعفى عنه لأنه يمكن قطعها بلا ضرر ولا ألم قال وهو ظاهر نص الشافعى والجمهور والله أعلم(*) وأما البشرة وهو الجلد: فيجب غسل ما ظهر منها حتى ما ظهر من صماخي الأذنين قطعا والشقوق فى البدن وكذا يجب غسل ما تحت القلفة من الأقلف وكذا ما ظهر من أنف المجدوع وكذا ما يبدو من الثيب إذا قعدت لقضاء الحاجة على الراجح ولا تجب المضمضة ولا الإستنشاق فى الأصح. والله أعلم. قال:

(وسننه خمسة أشياء: التسمية وغسل اليدين قبل إذخالهما الإناء والوضوء قبله) للغسل سنن كما فى الوضوء. فمنها (التسمية وغسل كفيه قبل إدخالهما الإناء) وقد ذكرنا ذلك واضحا فى الوضوء، والغسل مثله قال فى الروضة: واعلم أن معظم السنن يعنى فى الوضوء يجىء مثلها فى الغسل وفى وجه أن التسمية لا تستحب فى الغسل، وأما الوضوء فهل هو سنة أو واجب؟ فيه خلاف مبني على أن خروج المني ناقض أم لا إن قلنا ينقض الوضوء فليس من سنن الغسل وعلى هذا فينذرج فى الغسل على المذهب ولا بد من افراده بالنية. قال الرافعى إذ لا قائل إلى أنه يأتى بوضوء مفرد وبوضوء آخر الرعاية كمال الغسل وإن قلنا المنى لا ينقض الوضوء وهو ما رجحه الرافعى والنووى فالوضوء من سنن الغسل ولا يحتاج إلى إفراده بنية وتحصل سننه سواء قدمه على الغسل أو أخره أو قدم بعضه وأخر البعض، وأيها أفضل فيه قولان: الراجح أن تقديم الوضوء بكماله أفضل لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة توضأ وضوءه للصلاة) رواه الشيخان، والقول الآخر يستحب أن يؤخر غسل قدميه إلى بعد الفراغ من الغسل لحديث ميمونة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يؤخر غسل قدميه) رواه البخارى صريحا، وقال القاضى حسين يتخير لصحة الروايتين.

(فائدة) إذا فرعنا على الصحيح عند الرافعى والنووي في أن المني لا ينقض الوضوء فيتصور تجرد الجنابة عن الحدث الأصغر في صور. منها إذا لف على ذكره خرقة وأولج. ومنها إذا نزل المني وهو نائم ممكن مقعده من الأرض وكذا إذا نزل بنظر أو فكر لشدة غلمته. ومنها إذا أولج في در بهيمة أو دبر ذكر، عافانا الله من ذلك والله أعلم. قال:

(وإمرار اليد على الجسد والموالاة وتقديم اليمنى على اليسرى) من سنن الغسل دلك الجسد ليحصل إنقاؤ البشرة، وبلَّ الشعور ويتعهد مواضع الانعطاف والالتواء كالأذنين وغضون البطن. وكل ذلك قبل إفاضة الماء على رأسه، وإنما يفعل ذلك ليكون أبعد عن إسراف فى الماء وأقرب إلى الثقة بوصول الماء، ومن سنن الغسل (الموالاة، وتقديم اليمنى على اليسرى) لأنه عبادة: فيستحب ذلك فيها كما في الوضوء، ومن سنن الغسل استصحاب النية إلى آخر الغسل والبداءة بأعضاء الوضوء ثم بالرأس: ثم بشقه الأيمن: ثم الأيسر، ويكون غسل جميع البدن ثلاثا كالوضوء: فإن اغتسل فى نهر ونحوه انغمس ثلاثا، ويدلك فى كل مرة، ويستحب أن لا ينقص ماء الغسل عن صاع، والوضوء عن مُدٍّ، والمُدُّ رطل وثلث بالبغدادى هذا على المذهب وقيل رطلان: والصاع أربعة أمداد، ويستحب ألا يغتسل فى الماء الراكد، وأن يقول بعد الفراغ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والله أعلم. 

(فرع) يحرم على الشخص أن يغتسل بحضرة الناس مكشوف العورة، ويعزر على ذلك تعزيرا يليق بحاله، ويحرم على الحاضرين إقراره على ذلك، ويجب عليهم الإنكار عليه، فإن سكتوا أثموا وعزروا، ويجوز ذلك فى الخلوة، والستر أفضل: لأن الله سبحانه أحق أن يستيا منه، ولا يجب غسل داخل العين، ولا يستحب كما لا يستحب تجديد الغسل على الراجح بخلاف تجديد الوضوء. والله أعلم.

(فرع) لو أحدث فى أثناء غسله جاز أن يتم غسله ولا يمنع الحدث صحته، لكن لا يصلى حتى يتوضأ، والله أعلم. قال:

(فَصْلٌ* والأغسال المسنونة سبعةَ عشر غُسْلًا: الجمُعَةُ، والعيدان، والإستسقاءُ، والكسوف، والخسوف) يُسن الغسل لأمور* منها الجمعة: واحْتُجَّ له بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أتَى منْكُمْ الْجُمْعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) رواه مسلم، واحتج بعضهم على وجوب الغسل بهذا الحديث، وقال: الأمر للوجوب، وقد جاء مصرحا به فى حديث آخر، ولفظه (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وبوجوبه قال طائفة من السلف وحكوه عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول الظاهرية وحكاه ابن المنذر عن مالك والخطابى عنه وعن الحسن البصرى ومذهب الشافعى أنه سنة، وبه قال جمهورالعلماء من السلف والخلف. وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه، وحجة الجمهور أحاديث صحيحة: منها قوله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغُسل أفضل) قال النووى حديث صحيح، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لو اغتسلمتم يوم الجمُعة)، ومنها حديث عثمان لما دخل وعمر يخطب، وقد ترك الغسل ذكره مسلم، فأقرَّه عمر رضي الله عنه، ومن حضر الجمعة، وهم أهل الحل والعقد، ولو كان واجبا لما تركه ولألزمه به الحاضرون: فإذن يحمل الأمر على الاستحباب جمعا بين الأدلة، ويحمل لفظة واجب على التأكيد كما يقال حقك واجب علي: أي متأكد وكيفيته كما مر، ويدخل وقته بطلوع الفجر على المذهب، وفى وجه شاذ منكر قبل الفجر كغسل العيد، ويستحب تقريبه من الرواح إلى الجمعة، لأن المقصود من الغسل قطع الرائحة الكريهة التى تحدث عند الزحمة من وسخ وغيره، وهل يستحب لكل أحد كيوم العيد أم لا؟ الصحيح أنه إنما يستحب لمن يحضر الجمعة، وسواء فى ذلك من تجب عليه الجمعة أم لا، ولو أجنب بجماع أو غيره لا يبطل غسله: فيغتسل للجنابة، ولو عجز عن الغسل لعدم الماء أو لقروح فى بدنه تيمم وجاز الفضيلة. قاله جمهور الأصحاب، وهو الصحيح قياسا على سائر الأغسال إذا عجز عنها والله أعلم. ومنها (العيدان) فيُستحب أن يغتسل لهما لقول ابن عباس رضي الله عنهما (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى) وكان عمر وعلي رضي الله عنهما يفعلانه وكذا ابن عمر رضي الله عنهما لأنه أمر يجتمع له الناس: فيستحب أن يغتسل له قياسا على الجمعة، ويجوز بعد الفجر بلا خلاف، وقبله على الراجح، ويختص بالنصف الأخير على الراجح، وقيل يجوز فى جميع الليل والله أعلم، منها (الإستسقاء) فيستحب أن يغتسل له لأجل قطع الروائح لأن محل يُشرع فيه الإجتماع فأشبه الجمعة، ومنها (الكسوف والخسوف) ويقال فيهما كسوف وخسوف إذا ذهب ضوء الشمس والقمر، وقيل الكسوف للشمس، والخسوف للقمر قاله الجوهرى مع أنه قال أن الكسوف والخسوف يطلق عليهما معا، والسنة أن يغتسل لهما لأنهما صلاة يشرع الإجتماع له فيستحب الإغتسل لهما كالجمعة، والله أعلم. قال:

(وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ، وَالْمَجْنُوْنُ إِذَا أَفَاقَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَ) الغسل {من غُسْلِ الْمَيِّتِ} هل هو واجب أو مستحب؟ قولان: القديم أنه واجب، والجديد وهو الراجح أنه مستحب* والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) قال الترميذى حديث حسن لكن قال الإمام أحمد أنه موقوف على أبى هريرة رضي الله عنه. ولذلك لم يقل بوجوبه، وقال الشافعى لو صح الحديث لقلت بوجوبه، ومن الأغسال المسنونة {غسل الكافر إذا أسلم} وروي أنه عليه الصلاة والسلام أمر قيس بن عاصم وثمامة بن أثال أن يغتسلا لما أسلما، ولم يوجبه لأن جماعة أسلموا فلم يأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم به، ولأن الإسلام توبة من معصية فلم يجب الغسل من كسائر المعاصى، وهذا فى كافر لم يجنب فى كفره فإن أجنب فالمذهب أنه يلزمه الغسل بعد الإسلام لعدم صحة النية منه حال كفره، ومن الأغسال المسنونة {غسل المجنون إذا أفاق وكذا المغمى عليه} لأن ذلك مظنة إنزال المنى. قال الشافعى: ما جن إنسان إلا أنزل. قال بعضهم إذا كان المجنون ينزل غالبا: فينبغى أن يجب الغسل كالنوم ينقض الوضوء لأنه مظنة الحدث وأجاب الجمهور الذين قالوا بالإستحباب بأن النوم مظنة لا علامة فيها على الحدث بعد الإفاقة، والمنى عين بمكن رؤيتها، والله أعلم. قال:

(وَالْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَدُخُوْلُ مَكَّةَ، وَلِلْوُقُوْفِ بِعَرَفَةَ، وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، وَلِلطَّوَافِ) يتعدد الغُسل المتعلق بالحج لأمورٍ* منها {الإحرام} (عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لأهله واغتسل) رواه الترميذي وقال حسن غريب، ويستوى فى استحبابه الرجل والصبى والمرأة وإن كانت حائضا أو نفساء لأن أسماء بنت عميس زوجة الصديق رضي الله عنهما نفست بذى الحليفة، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تغتسل للإحرام) رواه مسلم ولا فرق فى الرجل بين العاقل والمجنون ولا بين الصبى المميز وغيره، وإن لم يجد المحرم الماء تيمم، فإن وجد ماء لا يكفيه توضأ به قاله البغوى والمحاملى، قال النووى: أن تيمم مع الوضوء فحسن، وإن اقتصر على الوضوء فليس بجيد لأن المطلوب الغسل، والتيمم يقوم مقامه دون الوضوء. قال الأسنائى: نص الشافعى على الإستحباب فى الوضوء والإقتصار عليه بدون التيمم وعزاه إلى نقل المحاملى والماوردى، والله أعلم.

ومنها {دخول مكلة} كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يقدم مكة إلا بات بذى الطوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا، ويذكر عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كان يفعله، رواه الشيخان، واللفظ لمسلم، ثم لا فرق فى استحباب الغسل لمن دخل مكة بين من أحرم بالحج والعمرة أو يحرم البتة، وقد نص الشافعى فى الأم أن من لم يحرم يغتسل، واحتج بأنه عليه الصلاة والسلام عام الفتح اغتسل لدخول مكة، وهو حلال يصيب الطيب نعم. قال الماوردى: المُعْتَمِرُ إذا خرج من مكة فأحرم واغتسل لإحرامه ثم أراد دخول مكة نُظِرَ إن كان أحرم من مكانٍ بعيد كالجعرانة والحديبية استحب الغسل لدخول مكة، وإن أحرم من التنعيم فلا لقربه. قال ابن رفعة: ويظهر أن يقال بمثله فى الحج. والله أعلم. 

ومنها {الوقوف بعرفة} ويستحب أن يغتسل لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعمله، وحكى ابن الخل ذلك عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولأنه موضع اجتماع فيسن فيه الإغتسال كالجمعة، ومنها {الرمي أيام التشريق} يغتسل لكل يوم غسلا فتكون الإغتسال ثلاثة، لأنه موضع يجتمع فيه الغسل كالجمعة، ولا يستحب الغسل لرمي حمرة العقبة لقربه من غُسل الوقوف بخلاف بقية الجمرات لبعدها وأيضا فوقت الجمرات الثلاث بعد الزوال هو وقت تهجر، ولهذا يكون الغسل لهن بعد الزوال، والله أعلم.

ومنها {يسن الغسل للطواف} ولفظ الشيخ يشمل: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وقد نص الشافعى على استحباب الغسل لهذه الثلاثة فى القديم لأن الناس يجتمعون له فيستحب له الإغتسال، والجديد أنه لا يستحب لأن وقته موسع فلا تغلب فيه الزحمة بخلاف سائر المواطن كذا قاله الرافعى والنووى فى الروضة وشرح المهذب وهو قضية كلام المنهاج لأنه لم يعدها إلا أنه فى المناسك قال: يستحب الغسل الثلاثة، ويشهد للجديد وهو عدم الإستحباب ما رَوَتْ عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت رواه الشيخان. وكذا التعليل والله أعلم.

وأهمل الشيخ أغسالا: منها {الغسل من الحجامة} قال الرافعى والأكثرون لم يذكروهما. قال النووى فى زيادة الروضة المختار باستحبابهما، وقد نقل صاحب جمع الجوامع فى منصوصات الشافعى أنه قال: أحب الغسل من الحجامة والحمام وكل أمر يغير الجسد وأشار الشافعى بذلك إلى أن حكمته أن ذلك يغير الجسد وبضعفه والغسل يشده وينعشه والله أعلم: ويسن الإغتسال للإعتكاف نص عليه الشافعى ويسن الغسل لكل ليلة من رمضان نقله العبادى عن الحليمى ىويسن الغسل  لحلق العانة قاله الخفاف فى الخصال ويسن الغسل لدخول مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله النووى فى المناسك وأما الغسل لدخول الكعبة: فقد نقله ابن رفعة عن صاحب التلخيص وهذا النقل علط والله أعلم. قال:


الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ* وَالَّذِى يُوْجِبُ الْغُسْلَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ)

(فَصْلٌ* وَالَّذِى يُوْجِبُ الْغُسْلَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: ثَلَاثَةٌ تَشْتَرِكُ فِيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: وَهِيَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْزَالُ الْمَنِيِّ وَالْمَوْتُ) الْغَسل بفتح العين وضمها قاله النووى فى التحرير، وقال الجوهرى هو بالفتح اسم للفعل وبالضم اسم للدلك والله أعلم، وأما الوضوء بفتح الواو فاسم للماء وبضمها اسم للفعل على الأكثر، إذا عَرَفْتَ هذا فللغسل أسباب منها التقاء الختانين ويعبر عنه أيضا بالجماع وهو عبارة عن تغييب الحشفة أو قدرها فى أي فرج كان سواء غيب فى قبل امرأة أو بهيمة أو دبرهما أو دبر رجل صغير أو كبير حي أو ميت، ويجب أيضا على المرأة بأي ذكر دخل فى فرجها حتى ذكر البهيمة والميت والصبى وعلى الذكر المولج فى دبره، ولا يجب إعادة غسل الميت المولج فيه على الأصح ويصير الصبى والمجنون المولج فيهما جنبين بلا خلاف فإن اغتسل الصبى، وهو مميز صح غسله، ولا يجب عليه إعادته إذا بلغ وعلى الولى أن يأمر الصبى المميز بالغسل فى الحال كما يأمره بالوضوء ثم لا فرق فى ذلك بين أن ينزل منه مني أم لا (*) والأصل فى ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان وجب الغُسل فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا) والمراد بالإلتقاء التحاذى لأنه لا يتصور تصادمها لأن ختان المرأة أعلى من مدخل الذكر، ويقال التقى الفارسان إذا تحاذيا (*) ومنها إنزال المني فمتى خرج المني وجب الغسل سواء كان خرج من المخرج المعتاد أو من ثقبة فى الصلب أو الخصية على المذهب (*) والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الماء من الماء)، رواه مسلم وسواء خرج فى اليقظة أو النوم وسواء كان بشهوة أو غيرها لإطلاق الخبر، ثم للمنى ثلاث خواص يتميز بها عن المذى والودى، أحدها له رائحة كرائحة العجين والطلع مادام رطبا فإذا جف أشبهت رائحة البيض، الثانية التدفيق بدفعات قال الله تعالى (من ماء دافق). الثالثة: التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة ولا يشترط اجتماع الخواص بل تكفى واحدة فى كونه منيا بلا خلاف، والمرأة كالرجل فى ذلك على الراجح فى الروضة، وقال فى شرح مسلم لا يشترط التذفيق فى حقها وتبع فيه ابن صلاح.

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ: وَالَّذِي يُنْقِضُ الْوُضُوْءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ)

(فَصْلٌ: وَالَّذِي يُنْقِضُ الْوُضُوْءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ)

وينقض الوضوء أيضا شفاء دائم الحدث كمن به سلس من بول أو غيره، وشفاء المستحاضة وينقضه أيضا انقضاء مدة المسح، وقد ذكره الشيخ في فصل مسح الخف، وينقضه أيضا أكل لحم الجزور على ما اختاره النووي وقوَّاه وقال: إن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شافٍ وقد اختاره جماعة من أصحابنا المحدثين، وقال: وهو مما يعتقد رجحناه. والله أعلم. والصحيح الذي عليه جمهور الأصحاب أنه لا ينقض الوضوء، وأجابوا عن هذا بما روى جابر رضي الله تعالى عنه أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار، إذا عرفت هذا فالخارج من السبيلين، وهما القبل والدبر ناقض للوضوء عينا كان أو ريحا معتادا كان أو نادرا كالدم والحصى نجس العين كان أو طاهرا كالدود. والأصل في ذلك قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط (المائدة، (5):4))، وسئل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن الحدث، فقال: (فساءٌ أو ضراط)، وحديث عليٍّ رضي الله تعالى عنه: (كنت رجلا مذَّاءً فاستحيَيْتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته. فأمرت المقداد بن الأسود الكندي فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل ذكره ويتوضأ) رواه الشيخان، ويستثنى مما خرج من السبيلين المنى على المذهب فى الرافعى والروضة، وَوُجِّهَ بِأنَّ مَا أوجب أعظم الأمرين بخصوصه فلا يوجب أَدْوَنَهُمَا بعمومه كزنا المحصن لما أوجب أعظم الحَدَّيْنِ، وهو الرجم لكونه زنا محصن لا يوجب أدونهما وهو الجلد والتغريب لكونه زنا، وقيل إن خروج المني ينقض الوضوء أيضا، ويوجب الغسل كما أطلقه الشيخ، وكذا لفظ التنبيه، وبه قال القاضى أبو الطيب وأبو محمد الجوينى وجماعة منهم الإما الغزالى، وصرح به ابن شريج بأنه ينقض، وإطلاق الشافعى يقتضيه فإنه قال دلت السنة على الوضوء من المذى، والبول والريح، وكل ما خرج من واحد من الفرج وسخ ففيه الوضوء، قال ابن عطية فى تفسيره: الإجماع على أن المنى ناقض للوضوء، وما استدل به الرافعى من أن الشيء إذا أوجب أعظم الأمرين إلى آخره نقضه الماوردي بالحيض، وقال: إنه ينقض الوضوء بالاتفاق، ووافق ابن رفعة على أنه ينقض الوضوء، والله أعلم. قلت: ورأيت بخط الجاربردي أن الحيض في نقضه للوضوء خلاف وعزاه إلى بعض العراقيين. وقوله: (ما خرج من السبيلين) احترز به عما إذا خرج من غيرهما كالفصد والحجامة والقيء ونحو ذلك، فإنه لا ينقض الوضوء لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يرد على غسل محاجمه، ولأن النقض بمثل ما وردت به السنة غير معقول المعنى فلا يصح القياس عليه، ولأن الخروج من السبيلين له خصوصية لا تُوْجَدُ فى غيرهما. والله أعلم. قال:

(وَالنَّوْمُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ الْأَرْضِ مَقْعَدُهُ، وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِسُكْرٍ أَوْ مَرَضٍ)

الناقض الثاني زوال العقل، وله أسباب، منها النوم. وحقيقته استرخاء البدن وزوال شعوره وخفاء كلام من عنده، وليس في معناه النعاس فإنه لا ينقض الوضوء بكل حال، ودليل النقض بالنوم، قوله صلى الله عليه وسلم: (العينان، وكاء السَّهِ، فإذا نامت العينان انطلق الوَكَاء، فمن نام فليتوضأ) رواه أبو داود، وابن مجاه، وذكره ابن السكن في سنته المأثورة الصحاح، ومعنى الحدثي اليقظة وكاء الدبر، فإذا نام زال الضبط، ويستثنى ما إذا نام ممكنا مقعده من الأرض على الصحيح ولو كان مستندا إلى شيء بحيث لو زال لسقط، لما روى أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضئون) زاد أبو داود (حتى تخفق رءوسُهُمْ، وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومنها أي من أسباب زوال العقل الإغماء والجنون والسكر وهذه نواقض للوضوء بكل حال لأن النوم إذا كان ناقضا فهذه أولى لأن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ من النوم.

(فرع) إذا نام ممكنا معقده من الأرض فزالت إحدى اليتيه عن الأرض فإن كان قبل انتهابه انتقد وضوؤه وإن كان بعده فلا ينتقض وكذا إذا كان الزوال معه، أو شك فلا ينتقض وضوؤه لأن الأصل بقاء الطهارة ولو نام على قفاه ملصقا مقعده بالأرض انتقض، ولو كان مستثفرا بشيء: أي مستجمرا بخرقة كما تستجمر المستحاضة بشيء انتقض أيضا على المذهب(*) واعلم أن الشافعى والأصحاب قالو يستحب الوضوء من النوم وإن كان ممكنا مقعده من الأرض للخروج من الخلاف والله أعلم. قال:

(ولمس الرجل المرأةَ من غير حائل بينهما غير محرم فى الأصح) من نواقض الوضوء لمس الرجل بشرة امرأة مشتهاة غير محرم لقوله تعالى (أو لامستم النساء) عطف اللمس على المجيء من الغائط ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على أنه حدث كالمجيء من الغائط، والبشرة ظاهر الجلد، ولا فرق فى الرجل بين أن يكون شيخا فاقدا للشهوة أم لا، ولا بين الخصى والعنين فإنه ينتقض وضوؤه، ولا فرق بين الشباة والعجوز التى لا تشتهى، وفى الميِّتَةِ خلاف صحح النووى فى شرح المهذب القطع بالإنتقاض، وصحح فى كتابه رءوس المسائل عدم النقض، والخلاف مبني على اللفظ والمعنى كالمحارم، فعلى ما فى شرح المهذب وهو النقض ما الفرق بين المحارم والميتة؟ وفى الفرق عسر، وقد يفرق بإمكان عود الحياة فى الميتة بخلاف المحارم والله أعلم. ولو كان العضو الملموس أشل أو زائدا، أو وقع اللمس بغير قصد وبغير شهوة فينقض الوضوء فى كل ذلك لأن اللمس حدث لظاهر الآية الكريمة، ولا ينقض لمس الشعر والظفر والسن، على الراجح لأن معظم الإلتذاذ بهذه الأشياء بالنظر فليست في مظنه الشهوة باللمس. ولو لمس عضوا مبانا من امرأة أو لمس صغيرة لم تبلغ حدَّ الشَّهوة لم ينتقض الوضوء على الراجح لأن ذلك ليس فى مظنة الشهوة كالمحرم، وإن لمس محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهل ينتقض الوضوء؟ قولان: أحدهما: ينتقض لعموم الآية/ والراجح أنه لا ينتقض لأن المحرم ليست فى مظنة الشهوة. ويجوز أن يستنبط من النص معن يخَصِّصُ عمومه، والمعنى فى نقض الوضوء كون غير المحرم فى مظنة الشهوة وهذا مفقود فى المحرم. قوله (ولمس الرجل المرأة) احترز به عما إذا لمس صغيرة لا تُشْتَهَى وقد مر، وعما إذا لمس أمرد فإنه لا ينتقض، وهو الراجح، ولنا وجه أن لمسه ينقض كالمرأة. قوله: (من غير حائل) احترز به عما إذا كان بينهما حائل فإنه لا ينقض. والله أعلم. قال:

(ومس الْفَرْجِ ببطن الكَفِّ) 

من نواقض الوضوء (مس الفرج الآدمى) سواء كان من نفسه أو من غيره من ذكر أو أنثى من صغير أو كبير من حيٍّ أو ميتٍ قبلا كان الملموس أو دُبُرًا لصدق الفرج على الكل، ومس الذكر المقطوع والأشل واللمس باليد الشلاء ناقض أيضا على الراجح. ولو مس بأصبع زائدة إن كانت على استواء الأصابع نقضت وإلا فلا على الراجح، وهذا كله فى المس بباطن الكف، فإن مس بظاهر الكف فلا، وكذا المس بحرف الكف أو برءرس الأصابع، أو بما بينهما فلا ينتقض وضوؤه على الراجح، وقال الإمام أحمد تنقض الطهارة بالمس بباطن الكف وظاهره لإطلاق المس فى الأخبار، ورد الشافعى ذلك بأن فى بعض الأخبار لفظ الإفضاء ومعلوم أن المراد من الأخبار واحد والأفضاء فى الكف هو المس ببطن الكف وقول الشافعى فى اللغة ةحجة مع أن ذلك مشهور فى اللغة. قال فى المجمل الأفضاء لغة إذا أضيف إلى اليد كان عبارة عن المس بباطن الكف، تقول العرب أفضيت بيدي إلى الأمير مبايعا وإلى الأرض ساجدا إذا مسها بباطنها وكذا ذكره الجوهرى، وذهب بعض العلماء إلى أن المس لا ينقض محتجا بحديث طلق، وحجة الشافعية حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) صححه الإمام أحمد والترميذى وغيرهما، وقال الحاكم هو على شرط الشيخين، وقال البخارى أنه أصح شيء فى الباب قال ابن حبان وغيره وخبر طلق فى عدم النقض منسوخ به، ولا ينقض مس دبر البهيمة. قال الرافعى بلا خلاف وفيه خلاف، وفى مس قبلها قولان القديم أن ينقد لأن يجب الغسل بالإيلاج فيه فينقض كفرج المرأة، والجديد الأظهر أنه لا ينقض مسه لأنه لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه فعلى الأظهر لو أدخل يده فيه لم ينتقض وضوؤه على الراجح. والله أعلم.

(فرع) من القواعد المقررة التى ينبنى عليه كثير من أحكام الشريعة استصحاب الأصل وطرح الشك وبقاء ما كان على ما كان، وقد أجمع الناس على أن الشخص لو شك هل طلق زوجته أم لا أنه يجوز له وطؤها كما لو شك فى امرأة هل تزوجها أم لا لا يجوز له وطؤها، ومن ذلك ما إذا تيقن الطهارة وشك فى الحدث فالأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث، ولو تيقن الحدث وشك فى الطهارة فالأصل بقاء الحدث وعدم الطهارة، ولو تيقن الطهارة والحدث جميعا بأن تيقن أنه بعد طلوع الشمس مثلا أن تطهر وأحدث ولم يعلم السابق منهما فبما يأخذ به؟ فيه خلاف، الراجح فى الرافعى والروضة أنه ينظر إن كان قبل طلوع الشمس محدثا فهو الآن متطهرا لأن الحدث قبل طلوع الشمس ترفعه الطهارة بعد طلوع الشمس يقينا، والحدث بعد طلوع الشمس يحتمل أن يكون قبل الطهارة وبعدها فصارت الطهارة أصلا بهذا الاعتبار، وإن كان قبل طلوع الشمس متطهرا فهو الآن محدث لأن يقين الطهارة قبل طلوع الشمس رفعه يقين الحدث بعد الطلوع، ويجوز أن تتقدم الطهارة على الحدث وتتأخر فبقي الحدث أصلا، وعلى ذلك جرى فى المنهاج. وقال فى الروضة هذا يعنى أنه يأخذ بضد ما قبلهما إذا كان ممن يعتاد بجديد الوضوء وإلا فهو الآن متطهر لأن الظاهر تأخر طهارته، وقيل لا نظر إلى ما قبل طلوع الشمس، ويجب الوضوء بكل حال. قال النووى فى شرح المهذب وشرح الوسيط وهذا هو الأظهر المختار قال القاضي أبو الطيب وهو قول عامة أصحابنا والله أعلم. ولو لم يعلم ما قبل طلوع الشمس توضأ بكل حال، ومن هذه القاعدة ما إذا شك من نام قاعدا ممكنا ثم مال وانتبه أيهما أسبق أوشك هل ما رآه رؤيا أو حديث نفس، أوهل لمس الشعر أو بشرة ونحو ذلك فلا ينتقض الوضوء فى جميع ذلك والله أعلم. قال:


تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...