الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: كتاب الطهارة - (أقسام الماء)

[الكتاب] مشتق من الكتب، وهو الضم والجمع، يقال تكتب بنو فلان: إذا اجتمعوا، ومنه كتيبة الرمل. و[الطهارة] فى اللغة النظافة تقول طهرت الثوب: أي نظفته. وفى الشرع عبارة عن رفع الحدث أو إزالة النجس أو ما فى معناهما أو على صورتهما كالغسلة الثانية والثالثة والأغسال المسنونة وتجديد الوضوء والتيمم وغير ذلك مما لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا ولكنه فى معناه. قال:

(الْمِيَاه الَّتِى يَجُوْزُ بِهَا التَّطْهِيْرُ سبع مياه: مَاءُ السَّمَاءِ، وَمَاءُ الْبَحْرِ، وَمَاء النَّهْرِ، وَمَاءُ البِئْرِ، وَمَاءُ الْعَيْنِ، وَمَاءُ الثَّلْجِ، وَمَاءُ الْبَرَدِ): الأصل فى [ماء السماء] قوله تعالى: ((وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ))، وغيرها، وفى [ماء البحر] قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر فقال: ((هُوَ الطَّهُوْرُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)) صححه إبن حبان وابن السكن والترميذى والبخارى، وفى [ماء البئر] حديث سهل رضي الله تعالى عنه: ((قَالُوا يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّكَ تَتَوَضَأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةٍ وَفِيْهَا مَا يُنْجِى الناس والحائض والجنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المَاءُ طَهُوْرٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْئٌ)) حسنه الترميذى وصححه الإمام أحمد وغيره، و[ماء النهر]، و[ماء العين] فى معناه: وأما [ماء الثلج]، و[ماء البرد] فالأصل فيه حديث أبى هريرة رضي الله عنه، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر فى الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله ما تقول؟ قال: أقول: أللهم باعد بينى وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس: اللهم أغسلنى من خطاياي بماء الثلج والبرد)): رواه البخارى ومسلم. قال:

(ثُمَّ الْمِيَاهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: طَاهِرٌ مُطّهِّرٌ غَيْرُ مَكْرُوْهٍ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ): الْمَاءُ الَّذِى يَرْفع الحدث ويزيل النجس هو [الماء المطلق]: واختلف فى حده، فقيل هو العارى عن القيود والإضافة اللازمة، وهذا هو الصحيح فى الروضة والمحرر، ونص عليه الشافعى، فقوله: عن القيود خرج به مثل قوله تعالى [مِنْ مَاءٍ ذَافِقٍ]، وقوله الإضافة اللازمة خرج به مثل ماء الورد ونحوه، واحترز بالإضافة اللازمة عن الإضافة غير اللازمة كماء النهر ونحوه فإنه لا تخرجه هذه الإضافة عن كونه يرفع الحدث ويزيل النجس لبقاء الإطلاق عليه، وقيل الماء المطلق هو الباقى على وصف خلقته، وقيل ما يسمى ماء، وسمي مطلقا لأن الماء إذا أطلق انصرف إليه، وهذا ما ذكره ابن الصلاح وتبعه النووى عليه فى شرح المهذب.  قال:

(وَطَاهِرٌ مُطَهِّرٌ مَكْرُوْهٌ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ) هذا هو القسم الثانى أقسام الماء وهو الماء المشمس، وهو [طاهر] فى نفسه لأنه لم يلق ننجاسة و[مطهر] أي يرفع الحدث ويزيل النجس لبقاء إطلاق اسم الماء عليه، وهي يكره؟ فيه خلاف: الأصح عند الرافعى أني يكره وهو الذى جزم به المصنف واحتج له الرافعى بأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (نَهَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنِ الْمُشَمَّسِ وَقَالَ أَنَّهُ يُوْرِثُ الْبَرَصَ) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ مُشَمَّسٍ فَأَصَابَهُ وَضحٌ فَلَا يَلُوْمَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) وكرَّهه عمر رضي الله تعالى عنه وقال أنه يورث البرص فعلى هذا إنما يكره المشمس بشرطين: أحدهما: أن يكون التشميس فى الأوانى المنطبعة كالنحاس والحديد والرصاص لأن الشمس إذا أثرت فيها خرج منه زهومة تعلو على وجه الماء ومنها يتولد البرص، ولا يتأتى ذلك فى إناء الذهب والفضة لصفاء جوهرهما لكنه يحرم استعمالهما على ما يأتى ذكره فلو صب الماء المشمس من إناء الذهب والفضة فى إناء مباح لا يكره لفقد الزهومة وكذا لا يكره فى أوانى الخزف وغيرها لفقد العلة. الشرط الثانى: أن يقع أن يقع التشميس فى البلاد الشديدة الحرارة دون الباردة والمعتدلة فإن تأثير الشمس فيهما ضعيف ولا فرق بين أن يقصد التشميس أم لا لوجود المحذور ولا يكره المشمس فى الحياض والبرك بلا حلاف، وهل الكراهة شرعية أو إرشادية فيه وجهان أصحهما فى شرح المهذب أنها شرعية فعلى هذا يثاب على ترك استعماله، وعلى الثانى وهي أنها إرشادية لا يثاب فيها لأنها من وجهة الطب، وقيل أن المشمس لا يكره مطلقا وعزاه الرافعى إلى الأئمة الثلاثة. قال النووى فى زيادة الروضة وهو الراجح من حيث الدليل وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهة دليل يعتمد، وإذا قلنا بالكراهة فهي كراهة تنزيه لا تمنع صحة الطهارة ويختص استعماله بالبدن وتزول بالتبريد على الأصح. وفى الثالث يراجع الأطباء والله أعلم إنتهى، وما صححه من زوال الكراهية بالتبريد قد صحح الرافعى فى الشرح الصغير بقاءها وقال فى شرح المهذب الصواب أنه لا يكره، وحديث عائشة هذا ضعيف باتفاق المحدثين ومنهم من جعله موضوعا وكذا ما رواه الشافعى عن عمر بن الخطاب أنه يورث البرص ضعيف لاتفاق المحدثين على تضعيف إبراهيم بن محمد، وحديث ابن عباس غير معروف والله أعلم. وما ذكره من أثر عمر رضي الله عنه فممنوع، ودعواه الإتفاق على تضعيف إبراهيم أحد الرواة غير مسلم فإن الشَّافعي وثقه وفى توثيق الشَّافِعى كفاية، وقد وثقه غير واحد من الحفاظ، ورواه الدارقطنى بإسناد آخر صحيح قال النووى فى زيادة الروضة ويكره شديد الحرارة والبرودة والله أعلم. والعلة فيه عدم الإسباغ، وقال فى آبار ثمود أنه منهي عنه فأقل المراتب أنه يكره استعمالها. قال:

(وَطَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ: وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) هذا القسم الثالث من أقسام الماء، وهو الماء المستعمل فى رفع الحدث أو إزالة النجس إذا لم يتغير ولا زاد وزنه فهو طاهر لقوله عليه الصلاة والسلام (خَلَقَ اللهُ الْمَاءَ طَهُوْرًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيْحُهُ): وفى ابن ماجه (أَوْ لَوْنُهُ) وهو ضعيف، والثابت (طعمه أو ريحه) فقط: وهل هو طهور يرفع الحدث ويزيل النجس أيضا؟ فيه خلاف، المذهب أنه غير طهور، لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع شدة اعتنائهم بالدين ما كانوا يجمعونه ليتوضئوا له ثانيا ولو كان ذلك سائغا لفعلوه، واختلف الأصحاب فى علة منع استعماله ثانيا، والصحيح أنه تأدى به فرض، وقيل أنه تأدَّى به عبادة وتظهر فائدة الخلاف فى صورتين: الأولى فيما استعمل فى نفل الطهارة كتجديد الوضوء والأغسال المسنونة، والغسلة الثانية والثالثة فعلى الصحيح يكون الماء طهورا لأنه لم يتأد به فرض، وعلى الضعيف لا يكون طهورا لأنه تأدى به عبادة، ولا خلاف أن ماء الرابعة طهور على العلتين لأنه لم يتأد به فرض، ولا هي مشروعية، والغسلة الأولى غير طهور على العلتين لتأذى الفرض والعبادة بمائها: الصورة الثانية الماء الذى اغتسلت به الكتابية عن الحيض لتحل لزوجها المسلم هو طهور؟ ينبني على أنها لو أسلمت هل يلزمها إعادة الغسل وفيه خلاف، إن قلنا لا يلزمها فهو غير طهور، وإن قلنا يلزمها إعادة الغسل، وهو الصحيح: ففى الماء الذى استعملته حال الكفر وجهان مبنيان على العلتين. إن قلنا أن العلة تأدى الفرض فالماء غير طهور، وإن قلنا أن العلة تأدى العبادة فهو طهور لأن الكافرة ليست من أهل العبادة *واعلم أن الزوجة المجنونة إذا حاضت وغسلها زوجها حكمها حكم الكافرة فيما ذكرناه، وهي مسألة حسنة ذكره الرافعى فى صفة الوضوء، وأسقطها النووى من الروضة * واعلم أن الماء الذى توضأ به الصبى غير طهور، وكذا الماء الذى يتوضأ به المنتفل، وكذا من لا يعتقد وجوب النية على الصحيح فى المجميع، ثم مادام الماء مترددا على العضو لا يثبت له حكم الإستعمال ولو جرى الماء من عضو المتوضئ إلى عضو آخر صار مستعملا حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى صار مستعملا، ولو انتقل الماء الذى يغلب فيه الإنتقال من عضو إلى موضع آخر من ذلك العضو كالحاصل عند نقله من الكف إلى الساعد ورده إلى الكف ونحوه لا يضر انتقاله، وإن خرقه الهواء، وهي مسألة حسنة ذكرها الرافعى فى آخر الباب الثانى من أبواب التيمم، وأهملها النووى إلا أنه ذكر هنا من زيادة الروضة أنه لو انفصل الماء من بعض أعضاء الجنب إلى بعضه وجهين: الأصح عند الماوردى والرويانى أنه لا يضر ولا يصير مستعملا والراجح الخراسانيين أنه يصير مستعملا، وقال الإمام أن نقله قصدا صار مستعملا وإلا فلا، وصحح النووى فى التحقيق أنه يصير مستعملا، وصحح إبن رفعة أنه لا يصير مستعملا، ولو انغمس جنب فى ماء دون قلتين وعم جميع بدنه ثم نوى ارتفعت جنابته بلا خلاف وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى غيره ولا يصير مستعملا بالنسبة إليه صرح به الخوارزمى حتى إنه قال لو أحدث حدثا ثانياا حال انغماسه جاز ارتفاعه به وإن نوى الجنب قبل تمام الإنغماس ارتفعت جنابته عن الجزء الملاقى للماء بلا خلاف ولا يصير الماء مستعملا بل له أن يتم الإنغماس وترتفع عن الجنابة عن الباقى على الصحيح المنصوص والله أعلم. قال:

(وَالْمُتَغَيِّرُ بِمَا خَالَطَهُ مِنَ الطَّاهِرَاتِ) هذا من تتمة القسم الثالث، وتقدير الكلام والماء المتغير بشيء من الطاهرات طاهر فى نفسه غير مطهر كالماء المستعمل، وضابطه أن كل تغير يمنع اسم الماء المطلق يسلب الطهورية وإلا فلا، فلو تغير تغيرا يسيرا فالأصح أنه طهور لبقاء الإسم. وقوله [بما خالطه] احترزا عما إذا تغير بما يجاوره ولو كان تغيرا كثيرا فإنه باق على طهوريته كما إذا تغير بدهن أو شمع، وهذا هو الصحيح لبقاء اسم الماء ولا بد أن يكون الواقع فى الماء مما يستغنى عن كالزعفران والجص ونخوهما، أما إذا كان التغير بما لا يستغنى الماء عن كالطين والطحلب والنورة والزرنيخ وغيرها فى مقر الماء وممره والمتغير بطول المكث: فإنه طهور للعسر وبقاء اسم الماء، ويكفى فى التغير أحد الأوصاف الثلاثة: الطعم أو اللون أو الرائحة على الصحيح، وفى وجه ضعيف يشترط اجتماعها ولا فرق بين التغير المشاهد أو التغير المعنوى كما إذا إختلط بالماء ما يوافقه فى صفاته كماء الورد المنقطع الرائحة وماء الشجر والماء المستعمل: فإنا نقدر أن لو كان الواقع يغيره بما يدرك بالحواس ويسلبه الطهورية، فإنا نحكم بسلب طهورية، ولو تغير الماء بالتراب المطروح فيه قصدا فهو طهور على الصحيح، والمتغير بالملح فيه أوجه: أصحها يسلب طهوريته الجبلى دون المائى، ولو تغير الماء بأوراق الأشجار المتناثرة بنفسها إن لم تتفتت فى الماء فهو طهور على الأظهر وإن تفتتت واختلطت فأوجه: الأصح أنه باق على طهوريته لعسر الاختراز عنها، فلو طرحت الأوراق فى الماء قصدا بها فالمذهب أنه غير طهور سواء طرحها صحيحة أو مدقوقة. والله أعلم.

(وَمَاءٌ نَجِسٌ، وَهُوَ الَّذِى حَلَّتْ فِيْهِ نَجَاسَةٌ، وَهُوَ دُوْنَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَتَغَيَّرَ) هذا هو القسم الرابع من المياه وهو كما ذكره ينقسم إلى قليل وكثير فأما القليل فينجس بملاقة النجاسة المؤثرة سواء تغير أم لا كما أطلقه الشيخ لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: (إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا) وفى رواية (نَجَسَا): فدل الحديث بمفهومه على أنه إذا كان دون القلتين يتأثر بالنجاسة، واحترز بالنجاسة المؤثرة عن غسر المؤثرة قال النووى فى الروضة كالميتة التى لا نفس لها سائلة مثل الذباب والخنافس ونحوها وكالجاسة التى لا يدركها الطرف لعموم البلوى به وكما إذا وقع الذباب على نجسة ثم سقط فى الماء، ورشاش البول الذى لا يدكه الطرف فيعفى عنه وكما إذا ولغت الهرة التى تنجس فمها ثم غابت واحتمل طهارة فمها فإن الماء القليل لا ينجس فى هذه الصور، ويستثنى أيضا اليسير من الشعر النجس فلا ينجس الماء القليل صرح به النووى فى باب الأوانى من زيادته ونقله عن الأصحاب. قال:

(وَلَا يَخْتَصُّ بِشَعْرِ الآدَمِيِّ فِى الأصحِّ) أي تفريعا على نجاسة شعر الآدمي ثم قال (وَيُعْرَفُ الْيَسِيْرُ بِالْعُرْفِ) قال الإمام لعله الذى يغلب انتتافه لكنه قال فى شرح المهذب يعفى عن الشعرة والشعرتين والثلاث، ويستثنى أيضا الحيوان إذا كان على منفذه نجاسة ثم وقع فى الماء فإنه لا ينجسه على الأصح لمشقة صونه ذكره الرافعى فى شروط الصلاة بخلاف لو كان مستجمرا بحجر ينجسه بلا خلاف كما قال فى شرح المهذب، فإن المستجمر بالحجر ونخوه يمكنه الإحتراز، ويستثنى أيضا ما إذا أكل الصبى شيأ نجسا ثم غاب واحتمل طهارة فمه كالهرة فإنه لا ينجس الماء القليل ذكر ذلك ابن الصلاح وهي مسأة حسنة، وقال مالك رحمه الله تعالى: الماء القليل لا ينجس إلا بالتغير كالكثيرة وهو وجه فى مذهبنا واختاره الويانى وفى قول قديم أن الماء الجارى لا ينجس إلا بالتغير واختاره جماعة منهم الغيزالى والبيضاوى فى كتابة غاية القصوى وهو قوي من حيث النظر لأن دلالة (خَلَقَ اللهُ الماءَ طَهُوْرًا) دلالة نطق وهي أرجح من دلالة المفهوم فى قوله عليه الصلاة والسلام (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ)  الحديث، وأما الكثير وهو قلتان فصاعدا فلا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم: (خَلَقَ اللهُ الْمَاءَ طَهُوْرًا) الحديث، والإجماع منعقد على نجاسته بالتغير، ثم لا فرق بين التغير اليسير والكثير سواء تغير الطعم أو اللون أو الرائحة وهذا لا اختلاف فيه هنا بخلاف مامر فى التغير بالطاهر، وسواء كانت النجاسة الملاقية للماء مخالطة أو مجاورة وفى وجه شاذ أن النجاسة المجاورة لا تنجسه وقوله [حلت فيه نجاسة] احترز به عما لو تروح الماء بجيفه ملقاة على شط الماء فإنه لا ينجس لعدم الملاقاة وقوله [فتغير] احترز عما إذا لم يتغير الماء الكثير بالنجاسة وقد تكون قليلة وتستهلك فى الماء فإنه لا ينجس وينستعمل جميع الماء على المذهب الصحيح، وفى وجه  يبقى قدر النجاسة، ولو وقع فى الماء الكثير نجاسة توافقه فى صفاته كبول منقطع الرائحة فأنا نقدره على ما تقدم فى الطاهرات، ولو وقع فى الماء الكثير نجاسة جامدو فقولان، الأظهر أنه يجوز له أن يغترف فى أي موضع شاء ولا يجب التباعد لأنه طاهر كله، والقول الأخر أنه يتباعد عن النجاسة قدر القلتين، ولو تغير بعض الماء الكثير فالأصح فى الرَّافِعى الكبير نجاسة جميع الماء والأصح فى زيادة الروضة إن كان الباقى دون القلتين فنجس وإلا فطاهر ورجحه الرافعى فى الشرح الصغير والله أعلم. (فرع) فى زيادة الروضة إذا وقع فى الماء نجاسة وشك هل هو قلتان أم لا فالذى جزم به الماوردى وغيره أنه نجس لتحقق النجاسة، وللإمام فيه احتمال، والمختار بل الصواب الجزم بطهارته لأن الأصل طهارته ولا يلزم من النجاسة التنجس والله أعلم. قال:

(وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمائَةِ رِطْلٍ بالْعِرَاقِيِّ تَقْرِيْبًا فِى الأَصَحِّ)، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هجر لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) قال الشافعى رضي الله عنه قال ابن جريج رأيت قلال هجر والقلة تسع فربتين أو قربتين وشيئا، فأحاط الشافعى رضي الله تعالى عنه، وجعل الشيء نصفا، والقربة لا تزيد فى الغالب على مائة رطل، وحينئذ فجملة ذلك خمس قرب، وهي خمسمائة رطل بالعراقى، وهل ذلك على سبيل التقريب أو التحديد؟ الأصح على سبيل التقريب، فعلى هذا الأصح أنه لا يضر نقصان قدر لا يظهر بنقصه تفاوت فى التغير بقدر من المغيرات، مثاله لو وضعنا قدر رطل من المغيرات فى خمسمائة رطل ما تأثرت، ولو نقصنا من ماء آخر قدر رطلين مثلا أو ثلاثة وهي خمسمائة رطل ووضعنا قدر رطل ما تأثرت، فهذا النقصان لا يؤثر، فلو وضعنا قدر رطل من الغيرات فى خمسمائة رطل إلا خمسة أرطال مثلا فأثر، قلنا هذا النقص يؤثر: وعلى قول التحديد يضر أيّ نقص كان كنصب الزكاة وقيل يعفى عن نقص رطلين: وقيل ثلاثة ونحوها، وقدر القلتين بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، وقدرهما بالدمشقى مائة رطل وثمانية أرطال، وثلثى رطل تقريبا على قول الرافعى، إن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...