(فصل* والذى يبطل التيمم ثلاثة أشياء: ما يبطل الوضوء ورؤية الماء فى غير الصلاة، والردة) إذا صح التيمم بشروطه ثم أحدث بطل تيممه لأن طهارة تبيح الصلاة فيبطل بالحدث كالوضوء ولا فرق فى هذا بين التيمم عند عدم الماء أو مع وجوده كتيمم المريض. فلو تيمم لفقد الماء ثم رأى الماء قبل الدخول فى الصلاة بطل تيممه لقوله صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته) قال الترميذى حسن صحيح ولأن الماء أصل والتيمم بدل فأشبه رؤية الماء فى أثناء التيمم فإنه يبطله قال إبن الرفعة بالإجماع (*) واعلم أن توهم وجود الماء كرؤيته كما إذا رأى سرابا فظنه ماء أو أطبقت بقربه غمامة أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء، وهذا كله إذا لم يقارن الماء ما يمنع القدرة على استعماله، فإن كان هناك ما يمنع استعماله كما إذا رأى ماء وهو محتاج إليه لعطش كما مر أو كان دون الماء حائل من سبع أو عدو أو رآه فى قعر بئر وهو يعلم حال رؤيته تعذر استعماله فلا يبطل تيممه لأن هذه الأسباب لا تمنع صحة التيمم ابتداء فلا تبطله أولى، أما إذا رأى الماء فى أثناء الصلاة نظر: إن كانت الصلاة تغنيه عن القضاء كصلاة المسافر فظاهر المذهب ونص عليه الشافعى أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه لأنه متيمم دخل فى صلاة لا يعيدها فأشبه ما لو رآه بعد الفراغ منها، ولأن فيه إبطال عبادة يجزئه ولأنه بالشروع فى الصلاة قد تلبس بالمقصود، ووجد أن الأصل بعد التلبيس بمقصود البدل لا يبطل حكم البدل كما لو شرع المكفر فى الصيام ثم وجد الرقبة لا يلزمه إخراج الرقبة، وإن كانت الصلاة لا تغنيه عن القضاء كصلاة الحاضرة بالتيمم بطلت على الصحيح لأنها لا يعتد بها إذا تمت ويجب قضاؤها فلا حاجة إلى إتمامها وإعادتها وقيل يتمها ويعيدها. والله أعلم.
(فرع) اعلم أن المصلى بالتيمم فى موضع يغلب فيه عدم الماء لا قضاء عليه مطلقا سواء كان مسافرا أو مقيما وإن كان فى موضع يغلب فيه وجود الماء يجب عليه القضاء مطلقا سواء كان مسافرا أو مقيما كذا ذكره النووى فى شرح المهذب وقد ذكر ذلك الرافعى رحمة الله تعالى فى آخر باب التيمم فى فضل القضاء بالأعذار وحينئذ تمثيلهم عدم القضاء بالسفر جريا على الغالب فى أن السفر يغلب فيه عدم الماء بخلاف الحضر فإنه يغلب فيه وجود الماء فاعرف ذلك فإنه منهم حسن منتج والله أعلم (*) واعلم أن قول الشيخ والردة يعنى أن الردة تبطل التيمم وهذا هو الصحيح على المشهور وفيه مع الوضوء ثلاثة أوجه الصحيح يبطل تيممه دون وضوئه والفرق أن التيمم مبيح ولا إباحة مع الردة بخلاف الوضوء فإنه رافع فله قوة استدامة حكمه وهذا لا يبطل غسله بالردة على المشهور، وقيل هو كالوضوء والله أعلم (*). قال:
(وصاحب الجبائر يمسح عليها ويتيمم ويصلى ولا إعادة عليه إن وضعها على طهر) اعلم أن وضع الجبائر يكون لكسر أو انخلاع وصاحب ذلك قد يحتاج إلى وضع الجبيرة وقد لا يحتاج فإن احتاج إلى وضعها بأن خاف على نفسه أو عضوه على ما مر فى المرض وضَعَهَا ثم ينظر: إن قدر على نزعها عند الطهارة من غير ضرر من الأمور المتقدمة فى المرض وجب النزع وغسل الصحيح وغسل موضع العلة إن أمكن وإلا مسحه بالتراب إن كان فى موضع التيمم، وإن لم يقد على نزع الجبيرة إلا بضرر من الأمور المتقدمة فى المرض فلا يكلف نزع الجبيرة لكن يجب عليه أمور منها غسل الصحيح على المذهب ويجب غسل ما يمكن غسله حتى ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح بأن يضع خرقة مبلولة ويعصرها لتغسل تلك المواضع بالمتقاطر، ومنه مسح الجبيرة بالماء على المشهور كما ذكره الشيخ لأجل ما أخذت الجبيرة من الصحيح، ويجب مسح كل الجبيرة على الصحيح، ومنها أنه يجب التيمم مع ذلك على المشهور ثم إن كان جنبا فالأصح أنه مخير إن شاء قدم غسل الصحيح على التيمم وإن شاء أخره وإن كان محدثا الحدث الأصغر فالصحيح أنه لا ينتقل من عضو إلى عضو حتى يتم طهارته فإن كانت الجبيرة على اليد مثلا وجب تقديم التيمم على مسح الرأس ولو كانت الجبائر على عضوين أو ثلاثة تعدد التيمم قال النووى ولو عمت الجرحات أعضاءه الأربعة قال الأصحاب يكفي تيمم واحد عن الجميع لأنه سقط الترتيب لسقوط الغسل والله أعلم (*) ثم ما ذكرنا من وجوب غسل الصحيح ومسح الجبيرة والتيمم إنما يكفى بشرطين: أحدهما أن لا يحصل تحت الجبيرة من الصحيح إلا ما لا بد منه للإمساك، والثاني أن يضعها على طهر فإن لم يكن كذلك وجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فتترك الجبيرة، ويجب القضاء عند البرء. قال في الروضة تبعا للرافعي: بلا خلاف، فأما إذا لم يحتج إلى وضع الجبيرة لكن يخاف من إيصال الماء فيغسل الصحيح بقدر الإمكان بأن يتلطف بوضع خرقة مبلولة ويتحامل عليها لينغسل بالمتقاطر باقي الصحيح، ويجب التيمم والحالة هذه بلا خلاف كما قاله النووي لئلا يبقى موضع الكسر بلا طهارة، ولا يجب التيمم والحالة هذه بلا خلاف كما قاله النووي لئلا يبقى موضع الكسر بلا طهارة، ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف منه كذا قاله الأصحاب، ثم إذا تيمم والعلة في محل التيمم أمرّ التراب عليها وكذا لو كان للجراحة أفواه مفتحة وأمكن إمرار التراب عليها وجب. واعلم أن الجراحة قد تحتاج إلى أن تلزق عليها خرقة أو قطنا أو نحوهما فلها حكم الجبيرة في كل ما سبق، وقد لا تحتاج إلى وضع لزقه فيجب غسل الصحيح والتيمم عن الجريح، ولا يجب مسح الجريح بالماء، ولا يجب عليه وضع اللزقة والجبيرة لأجل أن يمسح على ما قاله الجمهور وهو الصحيح، ثم إذا غسل الصحيح وتيمم لكسر أو جرح مع المسح على حال أو دونه وصلى فريضة ثم حضرت فريضة أخرى لم يجب إعادة الغسل إن كان جنبا ولا إعادة الوضوء إن كان محدثا على الصحيح وليس على الجنب إلا التيمم، وفى المحدث وجهان أصحهما عند الرافعي أنه يجب عليه أن يغسل ما بعد العليل لأجل الترتيب لأنه إذا بطلت الطهارة في العليل بطل ما بعده وأصحهما عند النووي أنه لا يجب إلا التيمم فقط كالجنب لأن التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم من ارتفاع حكمها بطلان طهارة أخرى، وقوله {ولا إعادة عليه إن وضعها على طهر} مفهومه أنه إذا وضعها على غير طهر أنه يعيد وهو كذلك على الصحيح المنصوص لأنه عذر نادر لا يفعل غالبا والله أعلم. قال:
(ويتيمم لكل فريضة ويصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل)
لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فريضة واحدة واحتج له الرافعي بقول ابن عباس رضي الله عنهما (من السنة أن لا يصلي بالتيمم إلا مكتوبة واحدة) والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إسناده شيء واضح نعم روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث) رواه البيهقي بإسناد صحيح لكن خالفه ابن خزيمة، وأحسن ما يحتج به قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى قوله (فتيمموا) أوجب الوضوء والتيمم لكل صلاة وكان ذلك ثابتا في ابتداء الإسلام ثم خرج الوضوء بفعله صلى الله عليه وسلم: (فإنه صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد) حديث صحيح رواه ابن عمر رضي الله عنهما فبقي التيمم بمقتضى الآية ولا يمكن أن يقاص التيمم على الوضوء لأن التيمم طهارة ضرورة لا يرفع الحدث لما مر من قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص (أصليت بأصحابك وأنت جنب) وذهب المزني إلى أنه يجمع بتيمم واحد فرائض ونوافل وهو بناء منه على أصله، وهو أن التيمم يرفع الحدث وهو مردود بما مر فعلى الصحيح لا يجمع بين فريضتين سواء كانت الفريضتان متفقتين كصلاتين أو مختافتين كصلاة وطواف وسواء كانتا مقضيتين أو حاضرة ومقضية وسواء كنتا مكتوبة ومنذورة أو منذورتين،وفى وجه يجمع بين منذورة ومقضية، وفي آخر بين منذورتين، وفي وجه شاذ يجوز في فوائت وفائتة ومؤدة، والصبي كالبابغ على المذهب لأن ما يؤديه حكمه حكم الفرض ألا ترى أنه ينوي بصلاته المفروضة، وكذا لا يجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها نعم صلاة الجنازة لها حكم النافلة على الراجح من طرق، فيجوز الجمع بين صلوات الجنائز وبين صلاة جنازة ومكتوبة وبين جنائز ومكتوبة لأن صلاة الجنازة فرض كفاية، وفروض الكفاية ملحقة بالنوافل في جواز الترك وعدم الإنحصار بخلاف فرض العين، {و} يجوز {أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل} لأن النوافل في حكم صلاة واحدة ألا ترى أنه إذا نحرّم بركعة له أن يجعلها مائة ركعة وبالعكس ولأن فى تكليف التيمم لكل نافلة مشقة فربما أدى إلى تركها والشرع خفف فيها فيجوزها قاعدا مع القدرة على القيام وعلى الراحلة ولغير القبلة في السفر لتكثر ولا ينقطع الشخص عنها والله أعلم.
(فرع) لو لم يجد الجنب أو المحدث إلا ماء لا يكفيه وجب عليه استعماله على الصحيح ويجب التيمم للباقي ولو لم يجد إلا ترابا لا يكفيه وجب استعماله على المذهب فلو كان محدثا أو جنبا أو عليه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما غسل النجاسة ثم تيمم لأن النجاسة لا بدل لها ولو جاز المسافر بماء في الوقت فلم يتوضأ منه فلما بعد عنه تيمم وصلى جاز ولا إعادة عليه على المذهب، ولو لم يجد ماء ولا تراب فالصحيح أنه يصلى لحرمة الوقت ويعيد وصلاته توثصف بالصحة فإذا قدر على الماء أعاد وإن قدر على التراب فهل يعيد؟ نظر إن قدر عليه في موضع يسقط به القضاء أعاد وإلا فلا يعيد إذ لا فائدة في صلاة بالتيمم تعاد بل في كلام بعضهم ما يقتضي عدم الجواز، ثم فاقد الماء والتراب إذا صلى هل يقرأ الفاتحة إذا كان جنبا؟ مقتضى كلام الرافعي في هذا في باب التيمم أنه لا يقرؤها ويأتي بالذكر وتبعه النووي لكن صحح النووي في باب الغسل أنه يجب عليه أن يقرأها ولو تيمم عن جنابة ثم أحدث حرم عليه ما يحرم على المحدث ولا تحرم القراءة ولا اللبث في المسجد ثم برؤية الماء تحرم القراءة وكل ما كان حراما حتى يغتسل ما لم يقترن بمائع إما شرعي كالعطش أو حسي كسبع أو عدو كما تقدم، ونحو ذلك والله أعلم.
(مسألة) وجد المسافر على الطريق خابية مسبلة للشربب لا يجوز له أن يتوضأ منها ويتيمم لأنها إنما توضع للشرب كذا ذكره المتولي والروياني ونقله عن الأصحاب والله أعلم. قال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق