الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: المقدمة

 من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين (حديث شريف)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى خلق الموجودات من ظلمة العدم بنور الإيجاد. وجعلها دليل على وحدنيته لذوى البصائر إلى يوم المعاد. وشرع شرعا اختاره لنفسه. وأنزل به كتابه وأرسل به سيد العباد. فأوضح لنا محجته وقال هذه سبيل الرشاد. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأتباعه صلاة زكية بلا نفاذ.

(وبعد) فإن الأنفس الزكية. الطالبة للمراتب العلية. لم تزل تدأب فى تحصيل العلوم الشرعية، ومن جملتها معرفة الفروع الفقهية. لأن بها تندفع الوساوس الشيطانية، وتصح المعاملات والعبادات المرضية. وناهيك بالفقه شرفا قول سيد السابقين واللاحقين. صلى الله تعالى عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّيْنِ)) رواه الشيخان من رواية معاوية، وعن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((مَا عُبِدَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِشَيْئٍ أَفْضَلَ مِنْ فْقْهٍ فِى الدِّيْنِ)) رَوَاهُ الترميذى فى جامعه، وعن يحيى بن أبى كثير فى قوله تعالى ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيْدُوْنَ وَجْهَه)) قال: مجالس الذكر. قال عطاء فى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوْا. قالوا: يارسول الله وَمَا رِياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذِكْرِ)) قال عطاء الذكر هو مجالس الحلال والحرام. كيف تشترى كيف تبيع وتصلى وتصوم وتحج وتنكح وتطلق وأشباه ذلك، وقال سفيان بن عيينة. لم يعط أحد بعد النبوة أفضل من العلم والفقه فى الدين، وقال أبو هريرة وأبو ذر رضي الله تعالى عنهما باب من العلم تتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: لموت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت العلم البصير بحلال الله تعالى وحرامه، والآيات والأخبار والآثار فى ذلك كثيرة.

فإذا كان الفقه بهذه المرتبة الشريفة. والمزايا المنيفة. كان الإهتمام به فى الدرجة الأولى. وصرف الأوقات النفيسة بل كل العمر فى أولى، لأن سبيله سبيل الجنة. والعمل به حرز من النار وجنة، وهذا لمن طلبه للتفقه فى الدين على سبيل النجاة. لا لقصد الترفع على الأقران والمال والجاه، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيْبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام ((مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يُكَاثِرَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يَصْرِفَ وُجُوْهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) عَافانا الله الكريم من ذلك.

إعلم أن طلاب العلم مختلفون باختلاف مقاصدهم. وهممهم مختلفة باختلاف مراتبهم. فهذا يطلب الغوص فى البحر ونحوه لنيل الدرر الكبار. وهذا يقنع بما يجد فى غاية الإختصار.  ثم هذا القانع صنفان: أحدهما ذو عيال قد غلبه الكد، والآخر متوجه إلى الله تعالى بصدق وجد. فلا الأول يقدر على ملازمة الخلق، والسالك مشغول بما هو يصدده ليله ونهاره مع نفسه فى قلق، فأردت راحة كل منهما ببقاء ماهو عليه وترك سعي كل منهما فيما تدعو الحاجة إليه وأرجو من الله العزيز القدير. تسهيل ما يحصل به الإيضاح والتيسير. فإنه رجاء الراجين. وجابر الضعفاء والمنكسرين، ووسمت كتابى هذا بـ: (ـكفاية الأخيار، فى حل غاية الإختصار) وأسأل الله العظيم الغفار. العفو عنى وعن أحبابى من مكره وغضبه وعذاب النار. أنه على ما يشاء قدير، وبالإيجابة جدير. قال الشيخ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم. الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ) [الحمد] هو الثناء على الله تعالى بجميل صفاته الذاتية وغيرها، والشكر هو الثناء عليه بإنعامه، ولهذا يحسن أن تقول حمدت فلانا على علمه وسخائه ولا تقول شكرته على علمه، فكر شركر حمد وليس كل حمد شكرا، وقيل غير ذلك [الله] اللام فى الإسم الكريم للإستحقاق كما تقول الدار لزيد، وأضيف الحمد إلى هذا الإسم الكريم دون بقية الأسماء لأنه اسم ذات وليس بمشتق، والمحققون على أنه مشتق [رب العالمين] الرب يكون بمعنى المالك ويكون بمعنى التربية والإصلاح، لهذا يقال ربى فلان الضيعة: أي أصلحها فالله تعالى مالك العالمين ومربيهم سبحانه وتعالى، والعالمين جمع عالم لا واحد له من لفظه، واختلف العلماء فيهم فقيل هم الإنس والجن قاله ابن عباس، وقيل جميع المخلوقين. قاله قتادة والحسن ومجاهد. قال:

(وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ) الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة الإستغفار ومن الآدمي تضرع ودعاء، وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا لكثرة خصاله المحمودة، واختلف فى الآل فقيل هم بنو هاشم وبنو المطلب وهذا ما اختاره الشافعى وأصحابه، وقيل هم عترته وأهل بيته، وقيل آله جميع أمته واختاره جمع من المحققين ومنهم الأزهرى [والأصحاب] جمع صاحب، وهو كل مسلم رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصحبه ولو ساعة، وقيل من طالت صحبته ومجالسته، والأول هو الراجح عند المحدثين، والثانى هو الراجح عند الأصوليين. قال الشيخ (سأَلَنِى بَعْضُ أَصْدِقَائِى حَفِظَهُمُ اللهُ تَعَالَى أَنْ أَعْمَلَ مُخْتَصَرًا فِى الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِى فِى غَايَةِ الْإخْتِصَارِ وَنِهَايَةِ الْإِجَازِ يَخِفُّ عَلَى الطَالِبِ فَهْمُهُ وَيَسْهُلُ على المُبْتَدِيءِ حِفْظُهُ وَأَنْ أُكْثِرَ فِيْهِ مِنَ التَّقْسِيمَاتِ وَحَصْرِ الْخِصَالِ فَأَجَبْتُهُ إِلَى ذَلِكَ طَالِبًا لِلثَّوَابِ، رَاغِبًا إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ فِى التَّوْفِيْقِ لِلصَّوَابِ. إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيْرٌ. وُبِعِبَادِهِ خَبِيْرٌ بَصِيْرٌ) [المختصر] ما قل لفظه وكثرت معانيه، و[مذهب الشافعى] طريقته، والشافعى منسوب إلى جده شافع، وكنايته أبو عبد الله، واسمه مخمد بن إدريس بن العباس ين عثمان ين شافع ين السائب بن عبيد ين يزيد ين هاشم ين المطلب بن عبد مناف، ويلتقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف، فإنه عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، والنسبة الصحيحة إليه شافعى، وشفعوى لحن. و[غاية] الشيء معناها ترتيب الأثر على ذلك الشيء كما تقول غاية البيع الصحيح حل الإنتفاع بالمبيع، وغاية الصلاة الصحيحة إجزاؤها وعدم القضاء، والمراد هنا نهاية وجازة اللفظ، و[التوفيق] هو خلق قدرة الطاعة بخلاف الخذلان فإنه خلق قدر االمعصية، و[الصواب] ضد الخطاء والله أعلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...