الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: (فصل وفرائض الوضوء)

 (فصل* وفرائض الوضوء ستة: عند غسل الوجه)  إعلم أن الوضوء له شروط وفروض. فالشروط الإسلام، والتمييز، وطهورية الماء. وعدم المانع الحسى كالوسخ. وعدم المانع الشرعى كالحيض والنفاس، ودخول الوقت فى حق ذوى الضرورات. كالمستحاضة ومن به الريح الدائم. وأما الفروض فستة كما ذكره الشيخ. أحدها <النية> لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات) رواه الشيخان، وهي فرض فى طهارات الأحداث، ولا تجب فى إزالة النجاسات على الصحيح، والفرض أن المقصود من النجاسات إزالتها، وهي تحصل بالغسل بخلاف الأحداث فإن طهارتها عبادة فتفتقر إلى نية كسائر العبادات: كذا قاله الرافعى، وشرط صحتها الإسلام: فلا يصح وضوء الكافر ولا غسله على الصحيح لأن النية عبادة والكافر ليس من أهلها ولا تصح طهارة المرتد قطعا تغليظا عليه، ووقت النية الواجبة عند غسل أول جزء من الوجه لأن أول العبادات الواجبة ولا يثاب على السننة الماضية. وكيفيتها إن كان المتوضئ سليما لا علة به أن ينوي أحد ثلاثة أمور. أحدها رفع الحدث أو الطهارة عن الحدث. الثانى أن ينوي استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة. الثالث أن ينوي فرض الوضوء أو أداء الوضوء وإن كان الناوي صبيا. قال النووى قى شرح المهذب ولو نوى الطهارة للصلاة أو الطهارة لغيرها مما يتوقف على الوضوء كفى وذكره فى التنبيه، ولو نوى الطهارة ولم يقل عن الحدث لا يجزيه على الصحيح لأن الطهارة تكون عن الحدث وعن النجس فلا بد من نية تميز. ولو نوى الوضوء فقط صح على الأصح فى التحقيق وشرح المهذب بخلاف ما إذا نوى الغسل وهو جنب فلا يكفى، وفرق الماوردى فهو نهاية النية، وأما من به علة كمن به سلس البول أو كانت مستحاضة فينوى الإستباحة على الصحيح ولا يصح أن ينوي رفع الحدث لأن الحدث مستمر ولا يتصور رفعه، وقيل: يجب أن يجمع بينهما وقيل يكفى أحدهما. (فرع) شرط النية الجزم فلو شك فى أنه محدث فتوضأ محتاطا ثم تيقن أنه محدث لم يعتد بوضوئه على الأصح لأنه توضأ مترددا، ولو تيقن أنه محدث وشك فى أنه تطهر ثم بان محدثا أجزأه قطعا لأن الأصل بقاء الحدث فلا يضر تردده معه فقوي جانب النية بأصل الحديث بخلاف الصورة الأولى. والله أعلم.

(فرع) لو كان يتوضأ فنسي لمعة فى المرة الأولى فانغسلت فى الغسلة الثانية أو الثالثة أجزأه على الصحيح بخلاف كت إذا انغسلت اللمعة فى تجديد الوضوء فإنه لا يجزئه على الصحيح والفرق أن نية التجديد لم تشتمل على نية فرض بخلاف الغسلة الثانية والثالثة فإن النية فرض الوضوء شملت الثلاث فما لم يتمم الأولى لا تحصل الثانية والثالثة والخطاء فى الإعتقاد لا يضر: ألا ترى أن المصلى لو ترك سجدة من الأولى ناسيا وسجد فى الركعة الثانية تمت الأولى وإن اعتقد خلاف ذلك والله أعلم. قال:

(وَغَسْلُ الوَجْهِ) الفرض الثانى غسل الوجه، وهو أول الأركان الظاهرة، قال الله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم)، ويجب استعابه بالغسل، وحَدُّهُ من مبتدأ تستطيح الجبهة إلى منهي الذَّقَنِ طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا، وموضع التحذيف ليس من الوجه، والصدفان ليس من الوجه، ثم الشعر النبات فى الوجه قسمان: أحدهما لم يخرج عن حد الوجه. والثانى خارج عنه، والذى لم يخرج عن حد الوجه قد يكون نادر الكثافة، وقد يكون غير نادر الكثافة: فالنادر الكثافة كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين، وهما المحاذيان للأذنين بين الصُّدغ والعارض: فيجب غسل ظاهر هذاه الشعور وباطنها مع البشرة تحتها وإن كثف لأنها من الوجه، وأما شعر العارضين فإن كان خفيفا وجب غسل ظاهره وباطنه مع البشرة، وإن كان كاشفا وجب غسل ظاهره على الأظهر، ولو خف بعضه وكثف بعضه فالراجح أن للخفيف حكم الخفيف المحض وللكثيف المحض، وفى ضابط الخفيف والكثيف خلاف، الصحيح أن الخفيف ما ترى البشرة تحته فى مجلس التخاطب والكثيف ما يمنع الرؤية. *القسم الثانى الشعور الخارجة عن حد الوجه وهو شعر اللحية والعارض والعذار والسبال طولا وعرضا، فالراجح وجوب غسل ظاهرها فقط لأن يحصل به الواجهة، وقيل لا يجب لأن خارجة عن حد الوجه. قال وى زيادة الروضة يجب غسل جزء من رأسه ورقبته وما تحت دقنه مع الوجه لتحقيق استيعابه، ولو قطع أنفه أو شفته لزمه غسل ما ظهر بالقطع فى الوضوء والغسل على الصحيح لأنه يبقى وجها، ويجب غسل ما ظهر من حمرة الشفتين، ويستحب أن يأخذ الماء بيديه جميعا. قال:

(وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين لقوله تعالى (وأيديِكُمْ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) ولفظة إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى (من أنصارى إلى الله) أي مع الله، ويدل لذلك ما روى جابر رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدير الماء على المرافق) رواه الدارقطنى والبيهقى ولم يضعفاه. وروي (أنه أدار الماء على المرفقيه، وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) ويجب إيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة حتى لو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى البشرة لم يصح وضوءه وصلاته باطلة. والله أعلم. قال:

(وَمَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ) الفرض الرابع. مسح بعض الرأس لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) وليس المراد هنا مسح جميع الرأس لحديث المغيرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخوفين) رواه مسلم. ولأن من أَمَرَّ يده على هامة اليتيم صح أن يقال مسح برأسه، وحينئذ فالواجب ما ينطلق عليه اسم المسح ولو مدة بأن كان مُتَجَعِّدًا، ولا يضر مجاوزة منبت المسموح على الصحيح ولو غسل رأسه بدل المسح أو ألقى عليه قطرة ولم تسل أو وضع يده التى عليها الماء على رأسه ولم يمرها أجزأه على الصحيح. قال فى زيادة الروضة ولا تتعين اليد للمسح بل يجوز بخشبة أو خرقة وغيرهما ويجزيه مسح غيره له، والمرأة كالرجل فى المسح. والله أعلم. قال:

(و<الخامس> غسل الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ) لقوله تعالى (وأرجلكم إلى الكعبين) فعلى قراءة النصب يكون الغسل متعينا. والتقدير واغسلوا أرجلكم، وعلى قراءة الجر فالسنة بينت الغسل. ولو كان المسح جائزا لبينه صلى الله عليه وسلم ولو مرة كما فعل صلى الله عليه وسلم فى غير ذلك. قال النووى فى شرح مسلم واتفق العلماء على أن المراد بالكعبين العظمان الناتئان بين الساق والقدم، وفى كل رِجْلٍ كعب وهو العظم الذى فى ظهر وحُكِيَ هذا عن محمد بن الحسن ولا يصح، وحجة العلماء فى ذلك نقل أهل اللغة والإشتقاق، وهذا الحديث الصحيح الذى نحن فيه يدل لذلك ففيه: (فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ورجله اليسرى كذلك) فأثبت فى كل رجل كعبين. والله أعلم. (*) قلت وحديث النعمان بن بشير رضى الله تعالى عنه صريح فى ذلك قال: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقِيْمُوا صُفُوْفَكُمْ فَرَأْيْتُ الرَّجُلَ منا يُلْصِقُ مِنْكَبَهُ بمنكب صاحبه وكعبه بكعبِهِ) رواه البخارى، ومعلوم أن هذا فى كعب المفصل ولا يتأتى فى الذى على ظهر القدم، والله أعلم.

واعلم أن الغسل واجب إذا لم يمسح على الخف، وقراءةُ الجر محمولة على مسح الخُفِّ ويجب غسل جميع الرجلين بالماء، وينقى البشرة والشعر حتى يجب غسل ما ظهر بالشق ولو وضع فى الشق شمعة أو حيناء وله جرم لا يجزئ وضوؤه ولا تصح صلاته، وكذ يجب عليه إزالة جزء البراغيث حيث استيقظ من نومه فليحترز عن مثل ذلك فلو توضأ ونسي إزالته ثم علم وجب عليه غسل ذلك المكان وبما بعده وإعادة الصلاة، والله أعلم.

(فرع) إذا اجتمع على الشخص حدثٌ أصغر وهو الوضوء وحدث أكبر وهو الغسل ففيه خلاف منتشر الصحيح المفتى به يكفيه غسل جميع بدنه بنية الغسل ولا يجب عليه الجمع بين الوضوء ولا ترتيب فى ذلك والله أعلم. قال:

(وَالتَّرْتِيْبُ علَى مَا ذَكَرْنَاه) الفرض السادس، الترتيب وفرضيته مستفادة من الآية إذا قلنا الواو للترتيب وإلا فمن فعله وقوله عليه الصلاة والسلام إذ لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه ما توضأ إلا مرتبا ولأنه عليه الصلاة والسلام قال بعد أن توضأ مرتبا (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) أي بمثله، رواه البخارى، ولأن الوضوء عبادة يرجع فى حالة العذر إلى نصفها فوجب فيها الترتيب كالصلاة، فلو نسي الترتيب لم يجزه كما لو نسي الفاتحة فى الصلاة أو النجاسة على بدنه.

(فرع) خرج من فرجه بلل يجوز أن يكون منيا ويجوز أن يكون مذيا واشتبه عليه الحال فما الذي يجب عليه؟ فيه خلاف منتشر علقته فى بعض الكتب أكثر من ثلاثة عشرة مقالة الراجح فى الرافعى والوضة أنه يتخير فإن شاء جعله مذيا وتوضأ فقد أتى بما يقتضى الوضوء فارتفع حدثه الأصغر وبقي الحدث الأكبر مشكوكا فيه والأصل عدمه وكذا يقال إذا اغتسل، وقيل يجب عليه الأخذ بالإحتياط لأن تحققنا شغل ذمته بأحد الحدثين ولا يخرج عن ذلك إلا بيقين بأن يحتاط كما لو لزم ذمته صلاة من صلاتين ولم يعرف عينها يجب عليه أن يصيلهما. وهذا قوي رجحه النووى رحمه الله فى شرح التنبيه وفى رؤوس المسائل له. والله أعلم. قال:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...