(فَصْلٌ وَسُنَنُهُ عَشْرُ خِصَالٍ: التَّسْمِيَةُ) للوضوء سنن، منها <التسمية> فى ابتدائه (رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ فِى إِنَاءٍ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ تَوَضَّئُوا بِاسْمِ الله) رواه البيهقى قال النووى أسناده جيد وفى الحديث (كُلُّ أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أجذم) أي أقطع، وهي سنة متأكدة وقد قال الإمام أحمد بوجوبها فلو نسيها فى ابتداء الوضوء أتى بها مت ذكرها فى الوضوء كما فى تسمية الطعام، ولو تركها عمدا فهل يشرع تداركها؟ فيه خلاف، والراجح نعم، وفى الحديث (من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه وإن لم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لأعضاء وضوئه) رواه الدارقطنى والبيهقى وضعفه من جميع طرقه. قال:
(وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الإناءَ) من سنن الوضوء <غسل الكفين قبل غسل الوجه>، ولهما أحوال: أحدهما أن يتيقن نجاستهما، فهذا يكره له غمس كفيه فى الإناء قبل غسلهما ثلاثا كراهة تحريم لأنه يفسد الماء، الحالة الثانية أن يشك فى نجاستهما كمن نام ولا يدري أين باتت يده فهذا يكره له أيضا غمس كفيه فى الإناء قبل غسلهما ثلاثا لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما فى الإناء ثلاثا. فإنه لا يدرى أين باتت يده)، وفى رواية (فلا يغمس يديه فى الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثا) وهذا مذهب الشافعى ومالك وذهب بعض العلماء إلى وجوب غسلهما قبل إدخالهما فى الإناء عند الإستيقاظ من النوم لظاهر النهي ولم يفرق بين نوم الليل والنهار، وذهب الإمام أحمد إلى وجوب ذلك من نوم الليل دون نوم النهار لقوله صلى الله عليه وسلم: (أين باتت يده) والمبيت يكون بالليل دون النهار، والشافعى رحمه الله حمل النهي على غير الوجوب لقرينة، الحالة الثالثة أن يتيقن طهارتهما فهذا لا يكره له غمس كفيه فى الإناء قبل غسلهما ولكن يستحب. وهذه الحالة هي التى ذكرها الشيخ، ومأخذها أنه الوارد فى صفة وضوء النبى صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لسبق نوم وانتفت الكراهة لفقد العلة الواردة فى الخبر، إذ الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما. والله أعلم. قال:
(والمضمضة والإستنثاق) لفعله صلى الله عليه وسلم: وقال الإمام أحمد بوجوبهما، وحجة الشافعى قوله صلى الله عليه وسلم (عشر من السنة وعَدَّ منها المضمضة والإستنشاق) رواه مسلم، ثم أصل السنة يحصل بإيصال الماء إلى الغم والأنف سواء أداره أم لا، هذا هو الراجح لكن نص الشافعى على إدارته فى الغم ولا يشترط فى تحصيل السنة أن يمج الماء حتى لو ابتلعه تأدت السنة قاله النووى فى شرح المهذب، وذهب جماعة إلى اشتراط مج الماء فى تحصيل السنة، وتقدم المضمضة على الإستنشاق شرط فى تحصيل السنة على الراجح وقيل مستحب. والله أعلم:
(فرع) يستحب المبالغة فى المضمضة والإستنشاق لغير الصائم، وأما الصائم فقيل يحرم فى حقه قاله القاضى أبو الطيب، وقيل يكره قاله البذنيجى وغيره، وقيل تركها مستحب قاله ابن الصباغ. والله أعلم. قال:
(واستيعاب الرأس بالمسح) من سنن الوضوء <استيعاب الرأس بالمسح> لفعله صلى الله عليه وسلم وللخروج من الخلاف، والسنة فى كيفية المسح أن يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذى بدأ منه روى ذلك عبد الله بن زيد رضي الله عنه فى وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضع إبهاميه على صدغيه ويلصق السبابتين، والذهاب والعود مرة، وهذا فيمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ليصل البلل إلى باطن الشعر وظاهره، وأما من لا شعر له أوله شعر لا ينقلب فيقتصر على الذهاب فلو رده لم تحسب ثانبة لكون الماء بقي مستعملا، ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة أو غيرها مسح على جزء من رأسه وتمم على العمامة، والأفضل أن لا يقتصر على أقل من الناصية لأنه عليه الصلاة والسلام مسح بناصيته وعلى عمامته، وشرط الرافعى أن يعسر رفع العمامة ذكره فى الشرحين والمحرر وتبعه فى المنهاج وحذفه من الروضة ولا يجوز الإقتصار على مسح العمامة قطعا فى الرافعى والروضة لأنه مأمور بمسح الرأس، والماسح على العمامة ليس بماسح له، وفى البحر عن محمد بن نصر من كبار الأصحاب أنه يكفي. والله أعلم. قال:
(وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ) يستحب مسح الأذُنين <ظاهرها وباطنها بماء جديد> وكذا يستحب مسح الصماخين بماء جديد، قال عبد الله بن زيد رضي الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذى أخذه لرأسه) رواه الحاكم والبيهقى وقالا إسناده صحيح، وزاد الحاكم فقال على شرط مسلم. وكيفية المسح أن يُدْخِلَ مسيحتيه فى صماخيه ويديرهما فى المعاطف ويمر إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا، وهذه الكيفية ذكرها الرافعى وأسقطها النووى من الروضة. قال:
(وتخليل اللحية الكثة، وتخليل أصابع اليدين والرجلين) رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا توضأ شَبَّكَ لحيته الكريمة بأصابعه من تحتها) رواه ابن ماجه وروى ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) قال البخارى وهذا أصح ما فى الباب، وقال الترمذى أنه حسن صحيح (*) وأما تحليل الأصابع فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فخَلِّلْ أصابع يديك ورجليك) رواه ابن ماجه والترميذي وقال حسن غريب وقال: فى علله سألت البخارى عنه فقال حسن (*) وكيفية تخليل أصابع رجليه أن يبدأ بخنصر يده اليسرى من أسفل الرجل مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى وهذه الكيفية رجحها النووى فى الروضة، وحكى وجها أنه يخلل بين كل أصبع من أصابع الرجلين بأصبع من أصابع يده، وحكى فى شرح المهذب وجها آخر أنه يبدأ بخنصر اليد اليمنى وأخبر أنهما سواء وعزاه إلى إمام الحرمين ثم قال أن ما قاله الإمام هو الراجح المختار وكذا اختاره فى التحقيق وتخليل أصابع اليدين بالتشبيك ثم إن كانت الأصابع ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل وجب وإن كانت ملتحمة قال لا يجب فتقها ولا يستحب قاله فى زيادة الروضة بل يجوز والله أعلم. قال:
(وَتَقْدِيْمُ الْيُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، والطهارة ثلاثا، ثلاثا والموالة): عنى أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأتم فابداءوا بميامنكم) رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حزيمة وابن حبان (وعن عائشة رضي الله عنها قالت" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى تنعله وترجله وطهوره وفى شأنه كله) ومعنى الترجل التسريح يبدأ بالشق الأيمن فى الطهور ويبدأ باليد اليمنى والرجل اليمنى فى الوضوء وبالشق الأيمن فى الغسل، وأما الأذنان والخدان فيطهران معا، فإن كان أقطع قدم اليد اليمنى (*) وأما الإستحباب كونه ثلاثا ففى حديث عثمان رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ ثلاثا، ثلاثا) رواه مسلم، ولا فرق فى ذلك بين الرأس وغيره، واستحب بعض الأصحاب مسح الرأس مرة، واحتج بأن أحاديث عثمان رضي الله تعالى عنه الصحاح تدل على مسح الرأس مرة. قال: وقد جاء فى مسلم وصف عبد الله بن زيد وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه مرة واحدة، وقد قيل: أن الترميذى حكاه عن نص الشافعى، والمشهور من مذهب الشافعى، وبه جزم الجمهور أنه يستحب مسحة ثلاثا، وحجة ذلك حديث عثمان رضي الله تعالى عنه، وفى رواية أبى داود فى حديث عثمان رضي الله تعالى عنه: أنه عليه الصلاة والسلام مسح رأسه ثلاثا نعم فى سنده عامر بن شقيق قال الحاكم لا أعلم فى عامر طمنا بوجه من الوجوه، وفى ابن ماجه (أن عليا رضي الله تعالى عنه توضأ ثلاثا، ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا وقال هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) والله أعلم.
وأهمل المصنف رحمه الله سننا (*) منها مسح الرقبة، وصحح الرافعى فى شرح الصغير أنها سنة، واحتج فى الشرح الكبير بأنه عليه الصلاة والسلام قال: (مسح الرَّقَبَةِ أمانٌ من الْغِلِّ) واعترض النووى فقال لا يمسح لأنه لم يثبت فيها شيء ولهذا لم يذكره الشافعى ومتقدموا الأصحاب وهو الصواب قال فى شرح المهذب والحديث موضوع. قال الحموي شارح التنبيه: الجديد أن مسح الرقبة ليس بسنة ومقتضاه أن في ذلك قولين والله أعلم. ومنها الدعوات على أعضاء الوضوء قاله الرافعى قال النووى: هذه الأدعية لا أصل لها ولم يذكرها إلا الشافعى والجمهور. ومنها الإستعانة خل تكره؟ وجهان قال النووي: والجهان فيما إذا استعان بمن يصب عليه وأصحابهما لا يكره أما إذا استعان بم يغسل أعضاءه فمكروه قطعا، وإن كان بإحضار الماء فلا بأس ولا يقال خلاف الأولى وحيث كان له عذر فلا يأس بالإستعانة مطلقا. ومنها هل يستحب ترك التنشيف؟ فيه أوجه الصحيح أن تركه مستحب كذا صححه في أصل الروضة، وقيل إنه مباح فعله وتركه سواء، واختار النووي في شرح المهذب وقيل مستحب مطلقا، وقيل يكره التنشيف مطلقا، وقيل يكره في الصيف دون الشتاء، قال النووى في شرح النمهذب: محل الخلاف إذا لم تكن حاجة إلى التنشيف لحر أو برد أو التصاق نجاسة فإن كان فلا كراهة قطعا، ولا يقال أنه خلاف المستحب، ومنها يستحب أن لا يتفض يديه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان) رواه ابن أبى حاتم وغيره فلو خالف ونقض فالذى جزم به الرافعى أنه يكره، وخالفه النووى فرجح أنه لا يكره بل هو مباح فعله وتركه سواء، وقال فى التحقيق أنه خلاف الأولى، والحديث قال في شرح المهذب: إنه ضعيف لا يعرف، ومنها الموالة وهي واجبة في القديم، وأن يقول بعد التسمية: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا، ويخلل الخاتم ويتعهد ما يحتاج إلى الإحتياط ويبدأ بأعلى وجهه وبمقدم الرأس، وفي اليد والرجل بأطراف الأصابع إن صب على نفسه وإن صب عليه غيره بدأ بالمرفقين والكفين، وأن لا ينقص ماء الوضوء عن مد ولا يسرف ولا يزيد على ثلاث مرات، ولا يتكلم فى أثناء الوضوء ولا يلطم وجهه بالماء، وأن يقول بعد الوضوء (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) (*) وبقيت سنن أخر مذكرة فى الكتب المطولة تركناها خشية الإطالة. والله أعلم.
(فرع) لو شك فى غسل بعض أعضائه فى أثناء الطهارة لم يُحْسَبْ لَهُ، وبعد الفراغ لا يضُرُّ الشَّكُّ على الراجح لكثرة الشك مع أن الظاهر كمال الطهارة، ويشترط فى فصل الأعضاء جريان الماء على العضو المغسول بلا خلاف، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق