(فَصْلٌ: وَشَرَائِطُ التَّيَمُّمِ خَمْسَةٌ أَشْيَاءَ: وُجُوْدُ الْعُذْرِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ).
التيمم لغة هو القصد يقال يممك فلان بالخير إذا قصدك، وفي الشرع عبارة عن إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط مخصوصة. والأصل في جوازه الكتاب والسنة، وسنورد الأدلة في مواضعها. ثم ضابط جواز التيمم العجز عن استعمال الماء إما لتعذره أو لعسره لخوف ضرر ظاهر. وللعجز أسباب: منها السفر، والمرض. والأصل في ذلك قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى وإن كنتم مرضى فتيمموا وإن كنتم على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا.
ثم الماء في حق المسافر له أربعة أحوال:
أحدها: أن يتيقن عدم الماء حواليه بأن يكون في بعض رمال البوادي فهذا يتيمم ولا يحتاج إلى الطلب على الراجح لأن الطلب والحالة هذه عبث. الحالة الثانية: أن يجوِّز وجود الماء حوله تجويزا قريبا أو بعيدا فهذا يجب عليه الطلب بلا خلاف لأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة مع إمكان الطهارة بالماء. الحالة الثالثة: أن يتيقن وجود الماء حواليه وهذا له ثلاث مراتب: الأولى: أن يكون الماء على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي، فيجب السعي إلى الماء ولا يجوز التيمم. قال محمد بن يحيى: لعله يقرب من نصف فرسخ، وهذه الماسفة فسرت فوق المسافة عند التوهم.
المرتبة الثانية: أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه خرج الوقت فهذا يتيمم على المذهب لأنه فاقد للماء في الحال ولو وجب انتظار الماء مع خروج الوقت لما ساغ التيمم أصلا بخلاف ما لو كان الماء معه وخاف فوت الوقت لو توضأ فإنه لا يجوز له التيمم على المذهب لأنه ليس بفاقد للماء فى الحال. ثم هذه المسافة تعتبر بوقت الصلاة الحاضرة بكماله حتى لو وصل إلى منزله في آخر الوقت وجب قصد الماء والوضوء وإن فات الوقت أو الاعتبار بوقت الطلب ولا نظر إلى أول الوقت الراجح عند الرافعى الأول، وهو الإعتبار بكل وقت تلك الفريضة ورجح النووي الثاني، وهو أن الإعتبار بوقت الطلب.
الحالة الثالثة: أن يكون الماء بين المرتبتين بأن زيد مسافته على ما ينتشر إليه النازلون وتقصر عن خروج الوقت، وفي ذلك خلاف منتشر والمذهب جواز التيمم لأنه فاقد للماء في الحال وفي السعي زيادة مشقة.
الحالة الرابعة: أن يكون الماء حاضرا لكن تقع عليه زحمة المسافرين بأن يكون في بئر، ولا يمكن الوصول إليه إلا بآلة وليس هناك إلا آلة واحدة أو لأن مقف الغستقاء لا يسع إلا واحدا، وفي ذلك خلاف والراجح أنه يتيمم للعجز الحسي ولا إعادة عليه على هذا المذهب والله أعلم.
وأما المرض فهو على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يخاف معه بالوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو فوت منفعة العضو ويلحق بذلك ما إذا كان به مرض غير مخوف إلا أنه يخاف من استعمال الماء أن يصير مرضا مخوفا فيباح له التيمم، والحالة هذه على المذهب.
القسم الثانى: أن يخاف زيادة العلة وهو كثرة الألم وإن لم تزد المدة أو يخاف بطء البرء، وهو طول مدة المرض وإن لم يزد الألم أو يخاف شدة الضنى وهو المرض المدنف الذي يجعله ضنى أو يخاف حصول شَينٍ قبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو عند المهنة وهي الخدمة، وفي جميع هذه الصور خلاف منتشر والراجح جواز التيمم، وعلة الشين الفاحش أنه يشوه الخلقة ويدوم ضرره فأشبه تلف العضو.
القسم الثالث: أن يخاف شيئا يسيرا كأكثر الجدري أو سوادا قليلا أن يخاف شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة وإن تألم في الحال كجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشيء من هذا بلا خلاف والله أعلم.
(فرع) للمريض أن يعتمد على معرفة نفسه فى كون المريض مخوفا إذا كان عارفا ويجوز له أن يعتمد على قول طبيب حاذق فلا يقبل غير الحاذق، ويشترط مع حذقه الإسلام فلا يقبل قول الكافر لأن الله تعالى فسقه فيلغي ما ألغاه الله ولا يغتر بصنيع فقهاء الرجس، ويشترط فيه أيضا البلوغ فلا يقبل قول الصبي ويشترط فيه العدالة أيضا فلا يقبل قول الفاسق لأن الله تعالى أوجب الوضوء فلا يعدل عنه إلا بقول من يقبل قوله، وقد ألغى الله تعالى قول الفاسق، فيلزم من قبول قول الفاسق مخالفة الرب فيما أمر به، ويقبل قول العبد والمرأة ويكفي واحد على المشهور، وقيل لا بد من اثنين كما في المرض المخوف في الوصية فإن المذهب الجزم باشتراط العدد هناك وكان الفرق أن في الوصية يتعلق ذلك بحقوق الآدميين من الورثة والموصى لهم فاشترط العدد وفى التيمم الحق لله تعالى، وحقه مبني على المسامحة، ولأن الوضوء له بدل وهو اليمم ولا كذلك فى الوصية. ولو لم يوجد طبيب بشروطه قال الروياني/ قال السنجي: لا يتيمم، قال النووي: ولم أر لغيره ما يخالفه ولا ما يوافقه. قال الإسنائي: وفي فتاوى البغوي الجزم بأنه يتيمم فتعارض الجوابان وإيجاب الوضوء والغسل مع الجهل بحال العلة التي هي مظنة الهلاك بعيد عن محاسن الشريعة فنستخير الله تعالى ونفتي بما قاله البغوي والله أعلم. قال:
(وَدُخُوْلُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَطَلَبُ الْمَاءِ وَتَعَذُّرُ اسْتِعْمَالِهِ) يُشترط لصحة التيمم دخول وقت الصلاة لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) الآية. والقيام إليها لا يكون إلا بعد دخول الوقت، خرج الوضوء بدليل وبقي التيمم على ظاهر الآية لقوله صلى الله عليه وسلم: (جُعِلَتْ لي الأرض مسجدا وترابها طهورا. أينما أدركَتْني الصلاة تيممْتُ وَصَلَّيْتُ). ولِأن التيمم طهارة ضرورة ولا ضرورة إليه قبل دخول وقت الصلاة والله أعلم، ويشترط لصحة التيمم طلب الماء لقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) أُمِرْنَا بالتيمم عند عدم الوجدان ولا يعلم عدمه إلا بالطلب. ويشترط في الطلب أن تكون بعد دخول الوقت لأنه وقت الضرورة وله أن يطلب بنفسه وكذا يكفيه طلب من أذن له على الصحيح. قلت: يشترط أن يكون موثقا به في الطلب والله أعلم، ولا يكفي طلب من لم يأذن له بلا خلاف، وكيفية الطلب أن يفتش رحله لاحتمال أن يكون في رحل ماء وهو لا يشعر به فإن لم يجد نظر يمينا وشمالا، وأماما وخلفا إن استوى موضعه ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطير بمزيد احتياط فإن لم يستو الموضع نظر إن خاف على نفسه أو ماله لو تردد لم يجب التردد لأن هذا الخوف يبيح له التيمم عند تيقن الماء. فعند التوهم أولى. فإن لم يخف وجب عليه التردد إلى حد يلحق غوث الرفاق مع ما هو عليه من التشاغل بشغلهم والتفاوض في أقوالهم ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا. فإن كان معه رفقة وجب سؤاله إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع الصلاة على الراجح وقيل يستوعبهم، ولو خرج الوقت، ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل يكفي أن ينادي فيهم من معه ماء، من يجود بالماء؟ ونحوه ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كله، ثم متى عرف معهم ماء وجب عليه طلبه ولو كان على وجه الهبة على الراجح ولو أعير الدلو وجب قبوله، ولو أقرض الماء وجب قبوله من الماء إلا أن يحتاج إلى الثمن لمؤنة من مؤن سفره في ذهابه وإيابه فلا يجب الشراء حينئذ ولا يجب عليه أن يشتريه بزيادة على ثمن مثله، وإن قلت الزيادة على الراجح ولو لم يعره أحد آلة الإستقاء إلا بالأجرة وجب عليه إجارتها بأجرة المثل ولو قدر على أني دلي عمامته في البئر ويعصرها وجب عليه ذلك فلو تصل إلى الماء، وأمكن شقها شقها وشد بعضها لتصل لزمه ذلك إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على ثمن الماء أو أجرة الحبل وفي ضبط ثمن المثل أوجه الراجح ثمنه في ذلك الموضع وتلك الحالة، وقوله {وتعذر استعماله} يشمل أنواع أسباب إباحة التيمم وقد مر ذكر السفر والمرض، ومن أسباب الإباحة أيضا ما إذا كان بقربه ماء ويخاف لو سعى إليه على نفسه من سبع أو عدو عند الماء أو يخاف على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق وإن كان في سفينة لو استقى استلقى في البحر فله التيمم في ذلك كله، ولو خاف الإنقطاع عن الرفقة إن كان عليه ضرر لو قصد الماء فله التيمم قطعا وإن لم يكن عليه ضرر فخلاف الراجح أن له أن يتيمم للوحشة، ومن أسباب إ[احة التيمم الحاجة إلى العطش إما لعطشه أو عطش رفيقه أو عطش حيوان محترم في الحال أو في المستقبل ولو مات رجل وله ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه وجب عليهم ثمنه وجعله في ميراثه وثمنه قيمته في موضع الإتلاف في وقته، ومن الأسباب عدم استعماله لأجل الجراحة وما في معناها كالدمامل، ونحوها سواء كان ثم جبيرة أم لا وقد ذكرها الشيخ بعد ذلك لأجل خكم القضاء، وللعطشان أن يأخذ الماء من صاحبه قهرا إذا لم يبذله بشرط عدم احتياجه إليه وعليه قيمته والله أعلم. قال:
(وَالترَابُ الطَّاهِرُ)
لَا يصح التيمم إلا بتراب طاهر خالص غير مستعمل. فالتراب متعين سواء كان أحمر وأسود أو أصفر وسواء فيه الأرمني أو غيره لصدق اسم التراب على ذلك كله ولا يصح بالورة والجص وسائر المعادن ولا بالأحجار المدقوقة والقوارير المسحوقة وشبه ذلك، وفى وجه يجوز بجميع ذلك وهو غلط واحتج القائلون به بقوله (فتيمموا صعيدا طيبا) وهو يقع على التراب وعلى كل ما على وجه الأرض، ونسب ذلك إلى مالك وأبى حنيفة أيضا. وقالا: إنه يجوز بجميع أنواع الأرض حتى بالصخرة المغسولة ونقل الرافعي عن مالك أنه قال: يجوز أيضا بما هو متصل بالأرض كالشجر والزرع ونقل النووي في شرح مسلم عن الأوزاعي وسفيان الثوري أنه يجوز بكل ما على وجه الأرض حتى بالثلج، ومذهب الشافعى وجمهور الفقهاء وبه قال الإمام أحمد وابن المنذر وداود أنه لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين لأن الصعيد على التراب وعلى وجه الأرض وعلى الطريق فهو مجمل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم (التراب كافيك) . وقال صلى الله عليه وسلم: (جعِلت لي الأرض مسجدا وتُربتها طهورا إذا لم تجد الماء) رواه مسلم، عدل عليه الصلاة والسلام إلى ذكر التراب بعد ذكر الأرض ولولا اختصاص الطهورية به لقال جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وتربتها أي ترابها لأنه مبينا كما رواه الدارقطني في سننه وأبو عوانة في صحيحه وترابها طهورا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الصعيد هو تراب الحرث، وعن علي وابن مسعود أنه التراب الذي يغبر، وقال الشافعي رضي الله عنه: أنه كل تراب ذى غبار، وقوله حجة في اللغة، ثم شرط التراب أن لا يخرج عن حاله إلى حالة أخرى تمنع الإسم حتى لو أحرق التراب حتى صار رمادا أو سحق الخزف لم يجز التيمم به ولو شوى الطين وسحقه. ففى جواز التيمم به وجهان ولم يرجع الرافعي في هذه الصورة شيئا ولا النووي في الروضة، ولو أصاب التراب نار فاسودَّ ولم يحترف ففيه الوجهان صحح النووي في هذه الصورة القطع بالجواز وهل يجوز التيمم بالرمل؟ إن كان خشنا لم يرتفع منه غبار بالضرب لم يجز وإن ارتفع كفى وإن كان ناعما جاز لأنه من جنس التراب قاله الرافعي وجزم به النووي في فتاويه لكنه قال فى شرح المهذب وشرح الوسيط وتصحيح التنبيه: إنه لو تيمم بتراب مخلوط برمل ناعم لا يجوز فالرمل الصرف أول بالمنع ثم شرط التراب أن يكون طاهرا لقوله تعالى (صعيدا طيبا) والطيب هنا الطاهر لأن الطيب يطلق على ما تستلذ به النفس وعلى الحلال وعلى الطاهر والأولان لا يليق وصف التراب بهما فتعين الثالث وفي قوله صلى الله عليه وسلم (وتربتها طهورا) ما يدل عليه ولأن الماء النجس لا يجوز الوضوء به. وكذا التراب النجس.
وقوله {طاهر} يؤخذ من أنه لو تيمم بتراب طاهر على شيء نجس فإنه يجزئ وهو كذلك ثم لابد في التراب من كونه خالصا فلا يصح التيمم بتراب مخلوط بدقيق وزعفران، ونحوه بلا خلاف وكذا لو كان الخليط قليلا على الصحيح والكثير ما يرى والقليل ما لا يظهر قاله الإمام، ثم لا بد في التراب أيضا أن لا يكون مستعملا كالماء على الصحيح لأن أبيح به ما كان ممنوعا منه والمستعمل ما لصق بالعضو وكذا ما تناثر منه على الراجح، شرط المتناثر أن يكون مس العضو وإلا فهو غير مستعمل قاله النووي في شرح المهذب. قال:
(وَفَرَائِضُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ. النية)
النية واجبة في التيمم للخبر المشهور (إنما الأعمال بالنيات) ولأنه عبادة فافتقر إلى النية كالصلاة والوضوء، وكيفيتها أن ينوي استباحة الصلاة، ولا يكفي أن ينوي رفع الحدث لأن المتيمم لا يرفع حدثه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لما أصابته جنابة فتيمم وصلى بأصحابه فقال له عليه الصلاة والسلام (أصليت بأصحابك وأنت جُنُبٌ) ولأنه لو رفعه لما بطل برؤية الماء كالوضوء بالماء، ولا تكفى فيه الطهارة عن الحدث على الصحيح ولو نوى أداء فرض التيمم أو فريضة التيمم فوجهان، أحدهما يكفى كالوضوء وأصحهما لا يكفى. والفرق أن الوضوء قربة مقصودة فى نفسها، ولهذا يندب تجديده بخلاف التيمم فإنه لا يندب تجديده. ولو اقتصر على نيتة التيمم لم يجزه قاله الماوردى (*) واعلم أنه لا يجوز أن تتأخر النية عن أول مفروض، وأول أفعاله المفروضة نقل التراب، والمراد بالنقل الضرب فلا بد من النية قبل رفع يديه من التراب: فإذا قارنته وعزبت قبل مسح وجهه أجزأه على الراجح فى الشرح والروضة وقال ابن الرفعة: أصحهما لا يجزئ لأن النقل وإن وجب إلا أنه غير مقصود فى نفسه، ثم إذا نوى الإستباحة فله أربعة أحوال: أحدها أن ينوي استباحة الفرض والنفل معا فيستبيحهما. وله التنفل قبل الفريضة وبعدها وفى الوقت وخارجه ولا يشترط تعيين الفريضة على الراجح ويكفى نية الفرض مطلقا ويصلى أيَّ فريضة شاء وأن ينوي معينة فله أن يصلى غيرها: الحالة الثانية أن ينوي الفريضة سواء كان إحدى الخمس أو منذورة ولا يخطر له النافلة فيباح له الفريضة لأنه نواها وكذا النافلة قبلها وبعدها وبعد الوقت على الراجح لأن النفل تبع للفريضة: الحالة الثالثة أن ينوي النفل وحده فلا يستبيح الفرض على الراجح لأن النفل تبع للفرض. والفرض متبوع فلا يصح أن يكون تابعا ولم ينوه، ولو نوى مس المصحف أو الجنب الإعتكاف فهو كنية النفل فلا يستبيح الفرض على المذهب ويستبيح ما نوى على الصحيح، ولو نوى التيمم لصلاة الجنازة فهو كالتيمم للنفل على الصحيح لأنه وإن تعينت عليه فهي كالنوافل من حيث إنها غير متوجهة عليه بعينه ألا ترى أنها تسقط بفعل غيره: الحالة الرابعة أن ينوي الصلاة فقط فهو كمن نوى النفل على الراجح. والله أعلم.
(فرع) لو تيمم بنية استباحة الصلاة ظنا أن حدثه أصغر فكان أكبر أو ظن أن حدثه أكبر فكان أصغر صح بلا خلاف لأن موجب الحدثين واحد. والله أعلم. قال:
(وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالتَّرْتِيْبُ) مِن فرائض التيمم {مسح الوجه واليدين} لقوله تعالى {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} ولفعله عليه الصلاة والسلام، أما الوجه فيجب استيعابه كالوضوء نعم لا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعر الذي يجب إيصال الماء إليها على المذهب للمشقة. قال القاضى حسين لا يسن أيضا، ويجب إيصال التراب إلى ظاهر ما استرسل من اللحية على الأظهر كالوضوء. {وأما اليدين} فيجب استيعابهما بالتراب مع المرفقين وهذا هو المذهب فى الرافعى والروضة، واحتج له بقول ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) رواه الحاكم وأثنى عليه وخالفه البيهقى وقال الصواب وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما وبالقياس على الوضوء، وفى قول قديم يمسح الكفين فقط، واحتج له بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا: ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة: ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه) وهو حديث صحيح رواه الشيخان وقد علق الشافعى لهذا فى القديم على صحة حديث عمار، وقد صح فهو مذهب الشافعى لهذا، ولقوله إذا صح الحديث فاتبعوه واعلموا أنه مذهبى وهذا مذهب الإمام أحمد ومالك واختاره النووى وقال فى شرح المهذب أنه أقوى فى الدليل وأقرب إلى ظاهر السنة الصحيحة. والله أعلم، وقال ابن الرفعة بعد كلام ذكره الإمام يتعين ترجيح القديم والله أعلم قال النووى فى أصل الروضة، واعلم أنه تكرر لفظ الضربتين فى الأخبار فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر: وقالوا لا يجوز النقص عن ضربتين، وتجوز الزيادة والأصح ما قاله الآخرون: أن الواجب إيصال التراب سواء حصل بضربة أو أكثر: لكن يستحب ألا يزيد على ضربتين ولا ينقص وسواء حصل بيد أو خِرقة أو خشبة، ولا يشترط إمرار اليد على العضو على الراجح ولا يشترط الضرب أيضا حتى لو وضع يده على تراب ناعم فعلق غبار به كفى ولو كان يمسح بيده فرفعها فى أثناء العضو ثم ردها جازا ولا يفتقر إلى أخذ تراب جديد على الأصح والله أعلم (*) ومن فرائض التيمم {الترتيب} فيجب تقديم الوجه على اليدين سواء فى ذلك تيمم للوضوء أو للجنابة لأن التيمم طهارة فى عضوين فأشبه الوضوءَ لحديث عمار رضي الله عنه فلو تركه ناسيا لم يصح على المذهب كالوضوء ولا يشترط الترتيب فى أخذ التراب للعضوين على الأصح حتى لو ضرب بيديه على الأرض وأمكنه مسح الوجه بيمينه ومسح يمينه بيساره جاز وكذا لو ضرب بخرقة ومسح ببعضها وجهه وبالأخرى اليدين كفى، ويجب عليه نزع الخاتم فى الضربة الثانية، ولا يكفى تحريكه بخلاف الوضوء لأن التراب لا يدخل تحته والله أعلم.
(فرع) لو تيمم وعلى يده نجاسة وضرب بها على تراب طاهر ومسح وجهه جاز على الأصح ولا يجوز مسح النجاسة بلا خلاف كما لا يصح غسلها عن الوضوء مع بقاء النجاسة ولو تيمم ووقع عليه نجاسة لم يبطل تيممه على المذهب ولو تيمم قبل الإجتهاد فى القبلة ففى صحة تيممه وجهان كما لو كان عليه نجاسة والله أعلم (*) قال:
(وسننه ثلاثة أشياء: التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى، والموالاة قياسا على الوضوء) ومن سننه أيضا تخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا وأن ينزع خاتمه فى الضربة الأولى، وأن يستقبل القبلة كالوضوء، وأن يشبك أصابعه بعد الضربتين: قال فى أصل الروضة، وينبغى استحباب الشهادتين بعد التيمم كالوضوء والغسل. والله أعلم. قال:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق