الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ: وَالَّذِي يُنْقِضُ الْوُضُوْءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ)

(فَصْلٌ: وَالَّذِي يُنْقِضُ الْوُضُوْءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ)

وينقض الوضوء أيضا شفاء دائم الحدث كمن به سلس من بول أو غيره، وشفاء المستحاضة وينقضه أيضا انقضاء مدة المسح، وقد ذكره الشيخ في فصل مسح الخف، وينقضه أيضا أكل لحم الجزور على ما اختاره النووي وقوَّاه وقال: إن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شافٍ وقد اختاره جماعة من أصحابنا المحدثين، وقال: وهو مما يعتقد رجحناه. والله أعلم. والصحيح الذي عليه جمهور الأصحاب أنه لا ينقض الوضوء، وأجابوا عن هذا بما روى جابر رضي الله تعالى عنه أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار، إذا عرفت هذا فالخارج من السبيلين، وهما القبل والدبر ناقض للوضوء عينا كان أو ريحا معتادا كان أو نادرا كالدم والحصى نجس العين كان أو طاهرا كالدود. والأصل في ذلك قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط (المائدة، (5):4))، وسئل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن الحدث، فقال: (فساءٌ أو ضراط)، وحديث عليٍّ رضي الله تعالى عنه: (كنت رجلا مذَّاءً فاستحيَيْتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته. فأمرت المقداد بن الأسود الكندي فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل ذكره ويتوضأ) رواه الشيخان، ويستثنى مما خرج من السبيلين المنى على المذهب فى الرافعى والروضة، وَوُجِّهَ بِأنَّ مَا أوجب أعظم الأمرين بخصوصه فلا يوجب أَدْوَنَهُمَا بعمومه كزنا المحصن لما أوجب أعظم الحَدَّيْنِ، وهو الرجم لكونه زنا محصن لا يوجب أدونهما وهو الجلد والتغريب لكونه زنا، وقيل إن خروج المني ينقض الوضوء أيضا، ويوجب الغسل كما أطلقه الشيخ، وكذا لفظ التنبيه، وبه قال القاضى أبو الطيب وأبو محمد الجوينى وجماعة منهم الإما الغزالى، وصرح به ابن شريج بأنه ينقض، وإطلاق الشافعى يقتضيه فإنه قال دلت السنة على الوضوء من المذى، والبول والريح، وكل ما خرج من واحد من الفرج وسخ ففيه الوضوء، قال ابن عطية فى تفسيره: الإجماع على أن المنى ناقض للوضوء، وما استدل به الرافعى من أن الشيء إذا أوجب أعظم الأمرين إلى آخره نقضه الماوردي بالحيض، وقال: إنه ينقض الوضوء بالاتفاق، ووافق ابن رفعة على أنه ينقض الوضوء، والله أعلم. قلت: ورأيت بخط الجاربردي أن الحيض في نقضه للوضوء خلاف وعزاه إلى بعض العراقيين. وقوله: (ما خرج من السبيلين) احترز به عما إذا خرج من غيرهما كالفصد والحجامة والقيء ونحو ذلك، فإنه لا ينقض الوضوء لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يرد على غسل محاجمه، ولأن النقض بمثل ما وردت به السنة غير معقول المعنى فلا يصح القياس عليه، ولأن الخروج من السبيلين له خصوصية لا تُوْجَدُ فى غيرهما. والله أعلم. قال:

(وَالنَّوْمُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ الْأَرْضِ مَقْعَدُهُ، وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِسُكْرٍ أَوْ مَرَضٍ)

الناقض الثاني زوال العقل، وله أسباب، منها النوم. وحقيقته استرخاء البدن وزوال شعوره وخفاء كلام من عنده، وليس في معناه النعاس فإنه لا ينقض الوضوء بكل حال، ودليل النقض بالنوم، قوله صلى الله عليه وسلم: (العينان، وكاء السَّهِ، فإذا نامت العينان انطلق الوَكَاء، فمن نام فليتوضأ) رواه أبو داود، وابن مجاه، وذكره ابن السكن في سنته المأثورة الصحاح، ومعنى الحدثي اليقظة وكاء الدبر، فإذا نام زال الضبط، ويستثنى ما إذا نام ممكنا مقعده من الأرض على الصحيح ولو كان مستندا إلى شيء بحيث لو زال لسقط، لما روى أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضئون) زاد أبو داود (حتى تخفق رءوسُهُمْ، وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومنها أي من أسباب زوال العقل الإغماء والجنون والسكر وهذه نواقض للوضوء بكل حال لأن النوم إذا كان ناقضا فهذه أولى لأن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ من النوم.

(فرع) إذا نام ممكنا معقده من الأرض فزالت إحدى اليتيه عن الأرض فإن كان قبل انتهابه انتقد وضوؤه وإن كان بعده فلا ينتقض وكذا إذا كان الزوال معه، أو شك فلا ينتقض وضوؤه لأن الأصل بقاء الطهارة ولو نام على قفاه ملصقا مقعده بالأرض انتقض، ولو كان مستثفرا بشيء: أي مستجمرا بخرقة كما تستجمر المستحاضة بشيء انتقض أيضا على المذهب(*) واعلم أن الشافعى والأصحاب قالو يستحب الوضوء من النوم وإن كان ممكنا مقعده من الأرض للخروج من الخلاف والله أعلم. قال:

(ولمس الرجل المرأةَ من غير حائل بينهما غير محرم فى الأصح) من نواقض الوضوء لمس الرجل بشرة امرأة مشتهاة غير محرم لقوله تعالى (أو لامستم النساء) عطف اللمس على المجيء من الغائط ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على أنه حدث كالمجيء من الغائط، والبشرة ظاهر الجلد، ولا فرق فى الرجل بين أن يكون شيخا فاقدا للشهوة أم لا، ولا بين الخصى والعنين فإنه ينتقض وضوؤه، ولا فرق بين الشباة والعجوز التى لا تشتهى، وفى الميِّتَةِ خلاف صحح النووى فى شرح المهذب القطع بالإنتقاض، وصحح فى كتابه رءوس المسائل عدم النقض، والخلاف مبني على اللفظ والمعنى كالمحارم، فعلى ما فى شرح المهذب وهو النقض ما الفرق بين المحارم والميتة؟ وفى الفرق عسر، وقد يفرق بإمكان عود الحياة فى الميتة بخلاف المحارم والله أعلم. ولو كان العضو الملموس أشل أو زائدا، أو وقع اللمس بغير قصد وبغير شهوة فينقض الوضوء فى كل ذلك لأن اللمس حدث لظاهر الآية الكريمة، ولا ينقض لمس الشعر والظفر والسن، على الراجح لأن معظم الإلتذاذ بهذه الأشياء بالنظر فليست في مظنه الشهوة باللمس. ولو لمس عضوا مبانا من امرأة أو لمس صغيرة لم تبلغ حدَّ الشَّهوة لم ينتقض الوضوء على الراجح لأن ذلك ليس فى مظنة الشهوة كالمحرم، وإن لمس محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهل ينتقض الوضوء؟ قولان: أحدهما: ينتقض لعموم الآية/ والراجح أنه لا ينتقض لأن المحرم ليست فى مظنة الشهوة. ويجوز أن يستنبط من النص معن يخَصِّصُ عمومه، والمعنى فى نقض الوضوء كون غير المحرم فى مظنة الشهوة وهذا مفقود فى المحرم. قوله (ولمس الرجل المرأة) احترز به عما إذا لمس صغيرة لا تُشْتَهَى وقد مر، وعما إذا لمس أمرد فإنه لا ينتقض، وهو الراجح، ولنا وجه أن لمسه ينقض كالمرأة. قوله: (من غير حائل) احترز به عما إذا كان بينهما حائل فإنه لا ينقض. والله أعلم. قال:

(ومس الْفَرْجِ ببطن الكَفِّ) 

من نواقض الوضوء (مس الفرج الآدمى) سواء كان من نفسه أو من غيره من ذكر أو أنثى من صغير أو كبير من حيٍّ أو ميتٍ قبلا كان الملموس أو دُبُرًا لصدق الفرج على الكل، ومس الذكر المقطوع والأشل واللمس باليد الشلاء ناقض أيضا على الراجح. ولو مس بأصبع زائدة إن كانت على استواء الأصابع نقضت وإلا فلا على الراجح، وهذا كله فى المس بباطن الكف، فإن مس بظاهر الكف فلا، وكذا المس بحرف الكف أو برءرس الأصابع، أو بما بينهما فلا ينتقض وضوؤه على الراجح، وقال الإمام أحمد تنقض الطهارة بالمس بباطن الكف وظاهره لإطلاق المس فى الأخبار، ورد الشافعى ذلك بأن فى بعض الأخبار لفظ الإفضاء ومعلوم أن المراد من الأخبار واحد والأفضاء فى الكف هو المس ببطن الكف وقول الشافعى فى اللغة ةحجة مع أن ذلك مشهور فى اللغة. قال فى المجمل الأفضاء لغة إذا أضيف إلى اليد كان عبارة عن المس بباطن الكف، تقول العرب أفضيت بيدي إلى الأمير مبايعا وإلى الأرض ساجدا إذا مسها بباطنها وكذا ذكره الجوهرى، وذهب بعض العلماء إلى أن المس لا ينقض محتجا بحديث طلق، وحجة الشافعية حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) صححه الإمام أحمد والترميذى وغيرهما، وقال الحاكم هو على شرط الشيخين، وقال البخارى أنه أصح شيء فى الباب قال ابن حبان وغيره وخبر طلق فى عدم النقض منسوخ به، ولا ينقض مس دبر البهيمة. قال الرافعى بلا خلاف وفيه خلاف، وفى مس قبلها قولان القديم أن ينقد لأن يجب الغسل بالإيلاج فيه فينقض كفرج المرأة، والجديد الأظهر أنه لا ينقض مسه لأنه لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه فعلى الأظهر لو أدخل يده فيه لم ينتقض وضوؤه على الراجح. والله أعلم.

(فرع) من القواعد المقررة التى ينبنى عليه كثير من أحكام الشريعة استصحاب الأصل وطرح الشك وبقاء ما كان على ما كان، وقد أجمع الناس على أن الشخص لو شك هل طلق زوجته أم لا أنه يجوز له وطؤها كما لو شك فى امرأة هل تزوجها أم لا لا يجوز له وطؤها، ومن ذلك ما إذا تيقن الطهارة وشك فى الحدث فالأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث، ولو تيقن الحدث وشك فى الطهارة فالأصل بقاء الحدث وعدم الطهارة، ولو تيقن الطهارة والحدث جميعا بأن تيقن أنه بعد طلوع الشمس مثلا أن تطهر وأحدث ولم يعلم السابق منهما فبما يأخذ به؟ فيه خلاف، الراجح فى الرافعى والروضة أنه ينظر إن كان قبل طلوع الشمس محدثا فهو الآن متطهرا لأن الحدث قبل طلوع الشمس ترفعه الطهارة بعد طلوع الشمس يقينا، والحدث بعد طلوع الشمس يحتمل أن يكون قبل الطهارة وبعدها فصارت الطهارة أصلا بهذا الاعتبار، وإن كان قبل طلوع الشمس متطهرا فهو الآن محدث لأن يقين الطهارة قبل طلوع الشمس رفعه يقين الحدث بعد الطلوع، ويجوز أن تتقدم الطهارة على الحدث وتتأخر فبقي الحدث أصلا، وعلى ذلك جرى فى المنهاج. وقال فى الروضة هذا يعنى أنه يأخذ بضد ما قبلهما إذا كان ممن يعتاد بجديد الوضوء وإلا فهو الآن متطهر لأن الظاهر تأخر طهارته، وقيل لا نظر إلى ما قبل طلوع الشمس، ويجب الوضوء بكل حال. قال النووى فى شرح المهذب وشرح الوسيط وهذا هو الأظهر المختار قال القاضي أبو الطيب وهو قول عامة أصحابنا والله أعلم. ولو لم يعلم ما قبل طلوع الشمس توضأ بكل حال، ومن هذه القاعدة ما إذا شك من نام قاعدا ممكنا ثم مال وانتبه أيهما أسبق أوشك هل ما رآه رؤيا أو حديث نفس، أوهل لمس الشعر أو بشرة ونحو ذلك فلا ينتقض الوضوء فى جميع ذلك والله أعلم. قال:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...