الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: (فصل: وجلود الميتة)

 (فَصْلٌ* وَجُلُوْدُ المَيْتَةِ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إِلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيْرِ وَمَا يَتَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدَهِمَا) الحيوان الذى ينجس بالموت إذا دبغ جلده يطهر بالدباغ، سواء فى ذلك مأكول اللحم وغيره، والأصل فى ذلك حديث ميمونة رضي الله عنها حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شاتها (لو أخذتم إهابها فقالوا إنها ميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهره الماء والقرظ) رواه ابو داود والنسائى وإسناده حسن، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دُبِغَ الْإيْهَابُ فقد طَهُرَ) رواه مسلم، ثم إذا دبغ الجلد طهر ظاهره قطعا وكذا باطنه على المشهور الجديد فيصلى عليه وفيه، ويستعمل فى الأشياء اليابسة والرطبة ويجوز بيعه وهبته والصية به، وهل يجوز أكله من مأكول اللحم؟ رجح الرافعى الجواز ورجح النووى التحريم، ويكون الدباغ بالأشياء المتنجسة والنجسة كذرق الحمام على الأصح ولا يكفى النجميد بالتراب والشمس على الصحيح، ويجب غسله بعد الدباغ أن دبغ بنجسة قطعا وكذا إن ذبغ بطاهر على الأصح قال الأصحاب: ويعتبر فى كونة صار مدبوغا ثلاثة أمور: أحدها نزع فضلاته. الثانى أن يطيب نفس الجلد. الثالث أن ينتهي فى الدبغ إلى حالة بحيث لو تقع فى الماء لم يعد الفساد والنتن والله أعلم، وأما [جلد الكلب والخنزير وفرع أحدهما] فلا يطهر بالدباغ عندنا بلا خلاف لأنهما نجسان فى حال الحياة والدباغ إنما يطهر جلد نجس بالموت لأن غاية الدباغ نزع الفضلات ودفع الإستحالات ومعلوم أن الحياة أبلغ فى ذلك من الدباغ فإذا لم تفد الحياة الطهارة فأولى أن لا يفيد الدباغ.

(وَعَظْمُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا نَجِسٌ إِلَّا الآدَمِيِّ) الأصل فى ذلك قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)) وتحريم ماليس بحرام ولا ضرر فى أكله يدل على نجاسته، ولا شك أن العظم والشعر من أجزاء الحيوان، نعم فى الشعر خلاف فى أنه ينجس بالموت أم لا وهو قولان أحدهما لا ينجس لأنه لا تحله الحياة فلا روح فيه فلا ينجس بالموت بدليل أنه إذا قطع لا يحس ولا يألم وأظهرهما أنه ينجس وهو الذى جزم به الشيخ لأنه إن حلته الحياة فينجس إلا فينجس تبعا للجملة لأنه من جملتها كما يجب غسله فى الطهارة والجنابة. وأما العظم فيه خلاف، قيل أنه كالشعر والمذهب القطع بنجاسته لأنه يحس ويألم بالقطع والصوف والوبر والريش كالشعر، فإذا قلنا بنجاسة الشعر ففى شعر الآدمي قولان بناء على نجاسته بالموت إن قلنا بنجاسة الشعر ففى شعر الآدمي قولان بناء على نجاسته بالموت إن قلنا ينجس بالموت فكذا ينجس شعره، وإن قلنا لا ينجس وهو الراجح فلا ينجس شعره بالموت على الأصح والله أعلم. قال:

(وَلَا يجُوْزُ اسْتِعْمَالِ أَوَانِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَوَانِيِّ) لما فى الحديث الصحيح من رواية جذيفة رضي الله تعالى عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيْرَ ولا الدِّيْبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الْأَخِرَةِ)) رواه البخارى ومسلم، وفى مسلم: (الَّذِى يَشْرَبُ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ))، وفِى رواية ((مَنْ شَرِبَ فِى إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ))، وفى رواية، ((إِنَّ الَّذِى يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ)) الحديث، وجيم يجرجر الثانية مكسورة بلا خلاف، قاله النووى، وفى الأقليد حكاية الخلاف، وأما النار فيجوز فيها الرفع والنصب، والنثب هو الصحيح، ومعناه أن شارب يلقى النار فى بطنه بتجرع متتابع يسمع له جرجرة، وهي الصوت لتردده فى خلقه، وعلى رواية الرفع تكون النار فاعلة، ومعناه أن النار تصوت فى جوفه: عافانا الله تعالى منها، ومن فعل يقربنا إليها، قال النووى فى شرح مسلم: قال أصحابنا انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب، وسائر الإستعمال فى إناء ذهب أو فضة إلا ما حكى عن داود، وقول قديم للشافعى أنه يكره، والمحققون لا يعتدون بخلاف داود، وكلام الشافعى مؤول. كما قاله صاحب التقريب، مع أن الشافعى رجح عن هذا القديم، فحصل أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب والفضة فى الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما والتبخر بمَبخرةٍ منهما، وجميع وجوه الإستعمال، ومنها المكحلة والميل وظرف الغالية وغير ذلك، سواء الإناء الصغير والكبير، ويستوى فى التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف، وإنما فرق بين الرجل والمرأة فى التحلى لقصد زينة النساء للزوج والسيد، ويحرم استعمال ماء الورد والأدهان فى قماقم الذهب والفضة، هذا هو الصحيح، وفى القنانى، وكذا يحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بأوانى الذهب والفضة: هذا هو الصواب، وجوزه بعض الأصحاب وهو غلط، لأن كل شيء أصله حرام فالنظر إليه حرام، وقد نص الشافعى والأصحاب أنه لو توضأ أو اغتسل من إناء ذهب أو فضة عصى ويحرم اتخاذ هذه الأوانى من غير استعمال على الصحيح، لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات اللهو: عفانا الله الكريم من تعاطى ماهو سبب للنار، ويحرم على الصائغ صنعته، ولا يستحق أجرة لأن فعله معصية، ولو كسر شخص هذه الأوانى، فلا أرش عليه، ولا يحل لأحج أن يطالبه بالأرش، ولا رفعه إلى ظالم من حكام زماننا، لأنهم جهلة ويتعاطون هذه الأوانى، حتى يشربون المسكر مع آلات اللهو. وفى حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((يُمْسَخُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى فى آخِرِ الزَّمان قِرَدَةً وخَنَازِرَ، قالوا يَا رَسُوْلَ اللهِ ألَيْسَ يَشْهَدُوْنَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَ بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ اتَّخَذُوا المَعَازِفَ وَالْقَيْنَاتِ، فَبَاتُوا عَلَى لَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ، فَأَصْبَحُوْا وَقَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِرَ)) وفى حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. قال ((مَنْ جَلَسَ إِلَى قَيْنَةٍ يستمع منها فى أذنيه الآنوك)) والآنوك بضم النون والمد هو الرصص المذاب والله أعلم. وأما أوانى غير الذهب والفضة فإن كانت من الجواهر النفيسة كاليقوت والفيروزج ونحوهما، فهل تحرم؟ فيه خلاف. قيل تحريم لما فيها من الخيلاء والسرف وكسر قلوب الفقراء، والصحيح أنها لا تحرم، ولا خلاف أنه لا يحرم الإناء الذى نفاسته فى صنعته ولا يكره كلبس الكتان والصوف النفيسين.

(فرع) لو اتخذ إناء من نحاس ونحوه وموهه بالذهب أو الفضة إن حصل بالعرض على النار منه شيء حرم على الصحيح، وإن لم يحصل بالعرض على النار منه شيء، فالمرجح فى هذا الباب أنه لا يحرم، والمرجح فى باب الزكاة النقدين أنه يحرم، قال النووى فى شرح المهذب، ولو موه وغيره من آلات الحرب أو غيرها بذهب تمويها لا يحصل منه بالعرض على النار شيء، فطريقان أصحهما وبه قطع العراقيون التحريم للحديث ويدخل فيه الخاتم والدواة والمرملة وغيرها فليجتنب ذلك والله أعلم. قال فى شرح المهذب: وتمويه سقف البيت وجداره بالذهب أو الفضة حرام قطعا، ثم إن حصل منه شيء بالعرض على النار حرمت استدامته وإلا فلا، وتبعه ابن رفعة على الجزم بذلك والله أعلم. قال:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...