الجمعة، 25 أغسطس 2023

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ* وَالَّذِى يُوْجِبُ الْغُسْلَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ)

(فَصْلٌ* وَالَّذِى يُوْجِبُ الْغُسْلَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: ثَلَاثَةٌ تَشْتَرِكُ فِيْهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: وَهِيَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْزَالُ الْمَنِيِّ وَالْمَوْتُ) الْغَسل بفتح العين وضمها قاله النووى فى التحرير، وقال الجوهرى هو بالفتح اسم للفعل وبالضم اسم للدلك والله أعلم، وأما الوضوء بفتح الواو فاسم للماء وبضمها اسم للفعل على الأكثر، إذا عَرَفْتَ هذا فللغسل أسباب منها التقاء الختانين ويعبر عنه أيضا بالجماع وهو عبارة عن تغييب الحشفة أو قدرها فى أي فرج كان سواء غيب فى قبل امرأة أو بهيمة أو دبرهما أو دبر رجل صغير أو كبير حي أو ميت، ويجب أيضا على المرأة بأي ذكر دخل فى فرجها حتى ذكر البهيمة والميت والصبى وعلى الذكر المولج فى دبره، ولا يجب إعادة غسل الميت المولج فيه على الأصح ويصير الصبى والمجنون المولج فيهما جنبين بلا خلاف فإن اغتسل الصبى، وهو مميز صح غسله، ولا يجب عليه إعادته إذا بلغ وعلى الولى أن يأمر الصبى المميز بالغسل فى الحال كما يأمره بالوضوء ثم لا فرق فى ذلك بين أن ينزل منه مني أم لا (*) والأصل فى ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان وجب الغُسل فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا) والمراد بالإلتقاء التحاذى لأنه لا يتصور تصادمها لأن ختان المرأة أعلى من مدخل الذكر، ويقال التقى الفارسان إذا تحاذيا (*) ومنها إنزال المني فمتى خرج المني وجب الغسل سواء كان خرج من المخرج المعتاد أو من ثقبة فى الصلب أو الخصية على المذهب (*) والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الماء من الماء)، رواه مسلم وسواء خرج فى اليقظة أو النوم وسواء كان بشهوة أو غيرها لإطلاق الخبر، ثم للمنى ثلاث خواص يتميز بها عن المذى والودى، أحدها له رائحة كرائحة العجين والطلع مادام رطبا فإذا جف أشبهت رائحة البيض، الثانية التدفيق بدفعات قال الله تعالى (من ماء دافق). الثالثة: التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة ولا يشترط اجتماع الخواص بل تكفى واحدة فى كونه منيا بلا خلاف، والمرأة كالرجل فى ذلك على الراجح فى الروضة، وقال فى شرح مسلم لا يشترط التذفيق فى حقها وتبع فيه ابن صلاح.

كفاية الأخيار: (فَصْلٌ: وَالَّذِي يُنْقِضُ الْوُضُوْءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ)

(فَصْلٌ: وَالَّذِي يُنْقِضُ الْوُضُوْءَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيْلَيْنِ)

وينقض الوضوء أيضا شفاء دائم الحدث كمن به سلس من بول أو غيره، وشفاء المستحاضة وينقضه أيضا انقضاء مدة المسح، وقد ذكره الشيخ في فصل مسح الخف، وينقضه أيضا أكل لحم الجزور على ما اختاره النووي وقوَّاه وقال: إن فيه حديثين صحيحين ليس عنهما جواب شافٍ وقد اختاره جماعة من أصحابنا المحدثين، وقال: وهو مما يعتقد رجحناه. والله أعلم. والصحيح الذي عليه جمهور الأصحاب أنه لا ينقض الوضوء، وأجابوا عن هذا بما روى جابر رضي الله تعالى عنه أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار، إذا عرفت هذا فالخارج من السبيلين، وهما القبل والدبر ناقض للوضوء عينا كان أو ريحا معتادا كان أو نادرا كالدم والحصى نجس العين كان أو طاهرا كالدود. والأصل في ذلك قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط (المائدة، (5):4))، وسئل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن الحدث، فقال: (فساءٌ أو ضراط)، وحديث عليٍّ رضي الله تعالى عنه: (كنت رجلا مذَّاءً فاستحيَيْتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته. فأمرت المقداد بن الأسود الكندي فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل ذكره ويتوضأ) رواه الشيخان، ويستثنى مما خرج من السبيلين المنى على المذهب فى الرافعى والروضة، وَوُجِّهَ بِأنَّ مَا أوجب أعظم الأمرين بخصوصه فلا يوجب أَدْوَنَهُمَا بعمومه كزنا المحصن لما أوجب أعظم الحَدَّيْنِ، وهو الرجم لكونه زنا محصن لا يوجب أدونهما وهو الجلد والتغريب لكونه زنا، وقيل إن خروج المني ينقض الوضوء أيضا، ويوجب الغسل كما أطلقه الشيخ، وكذا لفظ التنبيه، وبه قال القاضى أبو الطيب وأبو محمد الجوينى وجماعة منهم الإما الغزالى، وصرح به ابن شريج بأنه ينقض، وإطلاق الشافعى يقتضيه فإنه قال دلت السنة على الوضوء من المذى، والبول والريح، وكل ما خرج من واحد من الفرج وسخ ففيه الوضوء، قال ابن عطية فى تفسيره: الإجماع على أن المنى ناقض للوضوء، وما استدل به الرافعى من أن الشيء إذا أوجب أعظم الأمرين إلى آخره نقضه الماوردي بالحيض، وقال: إنه ينقض الوضوء بالاتفاق، ووافق ابن رفعة على أنه ينقض الوضوء، والله أعلم. قلت: ورأيت بخط الجاربردي أن الحيض في نقضه للوضوء خلاف وعزاه إلى بعض العراقيين. وقوله: (ما خرج من السبيلين) احترز به عما إذا خرج من غيرهما كالفصد والحجامة والقيء ونحو ذلك، فإنه لا ينقض الوضوء لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يرد على غسل محاجمه، ولأن النقض بمثل ما وردت به السنة غير معقول المعنى فلا يصح القياس عليه، ولأن الخروج من السبيلين له خصوصية لا تُوْجَدُ فى غيرهما. والله أعلم. قال:

(وَالنَّوْمُ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ الْمُتَمَكِّنِ مِنَ الْأَرْضِ مَقْعَدُهُ، وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِسُكْرٍ أَوْ مَرَضٍ)

الناقض الثاني زوال العقل، وله أسباب، منها النوم. وحقيقته استرخاء البدن وزوال شعوره وخفاء كلام من عنده، وليس في معناه النعاس فإنه لا ينقض الوضوء بكل حال، ودليل النقض بالنوم، قوله صلى الله عليه وسلم: (العينان، وكاء السَّهِ، فإذا نامت العينان انطلق الوَكَاء، فمن نام فليتوضأ) رواه أبو داود، وابن مجاه، وذكره ابن السكن في سنته المأثورة الصحاح، ومعنى الحدثي اليقظة وكاء الدبر، فإذا نام زال الضبط، ويستثنى ما إذا نام ممكنا مقعده من الأرض على الصحيح ولو كان مستندا إلى شيء بحيث لو زال لسقط، لما روى أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضئون) زاد أبو داود (حتى تخفق رءوسُهُمْ، وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومنها أي من أسباب زوال العقل الإغماء والجنون والسكر وهذه نواقض للوضوء بكل حال لأن النوم إذا كان ناقضا فهذه أولى لأن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ من النوم.

(فرع) إذا نام ممكنا معقده من الأرض فزالت إحدى اليتيه عن الأرض فإن كان قبل انتهابه انتقد وضوؤه وإن كان بعده فلا ينتقض وكذا إذا كان الزوال معه، أو شك فلا ينتقض وضوؤه لأن الأصل بقاء الطهارة ولو نام على قفاه ملصقا مقعده بالأرض انتقض، ولو كان مستثفرا بشيء: أي مستجمرا بخرقة كما تستجمر المستحاضة بشيء انتقض أيضا على المذهب(*) واعلم أن الشافعى والأصحاب قالو يستحب الوضوء من النوم وإن كان ممكنا مقعده من الأرض للخروج من الخلاف والله أعلم. قال:

(ولمس الرجل المرأةَ من غير حائل بينهما غير محرم فى الأصح) من نواقض الوضوء لمس الرجل بشرة امرأة مشتهاة غير محرم لقوله تعالى (أو لامستم النساء) عطف اللمس على المجيء من الغائط ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على أنه حدث كالمجيء من الغائط، والبشرة ظاهر الجلد، ولا فرق فى الرجل بين أن يكون شيخا فاقدا للشهوة أم لا، ولا بين الخصى والعنين فإنه ينتقض وضوؤه، ولا فرق بين الشباة والعجوز التى لا تشتهى، وفى الميِّتَةِ خلاف صحح النووى فى شرح المهذب القطع بالإنتقاض، وصحح فى كتابه رءوس المسائل عدم النقض، والخلاف مبني على اللفظ والمعنى كالمحارم، فعلى ما فى شرح المهذب وهو النقض ما الفرق بين المحارم والميتة؟ وفى الفرق عسر، وقد يفرق بإمكان عود الحياة فى الميتة بخلاف المحارم والله أعلم. ولو كان العضو الملموس أشل أو زائدا، أو وقع اللمس بغير قصد وبغير شهوة فينقض الوضوء فى كل ذلك لأن اللمس حدث لظاهر الآية الكريمة، ولا ينقض لمس الشعر والظفر والسن، على الراجح لأن معظم الإلتذاذ بهذه الأشياء بالنظر فليست في مظنه الشهوة باللمس. ولو لمس عضوا مبانا من امرأة أو لمس صغيرة لم تبلغ حدَّ الشَّهوة لم ينتقض الوضوء على الراجح لأن ذلك ليس فى مظنة الشهوة كالمحرم، وإن لمس محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة فهل ينتقض الوضوء؟ قولان: أحدهما: ينتقض لعموم الآية/ والراجح أنه لا ينتقض لأن المحرم ليست فى مظنة الشهوة. ويجوز أن يستنبط من النص معن يخَصِّصُ عمومه، والمعنى فى نقض الوضوء كون غير المحرم فى مظنة الشهوة وهذا مفقود فى المحرم. قوله (ولمس الرجل المرأة) احترز به عما إذا لمس صغيرة لا تُشْتَهَى وقد مر، وعما إذا لمس أمرد فإنه لا ينتقض، وهو الراجح، ولنا وجه أن لمسه ينقض كالمرأة. قوله: (من غير حائل) احترز به عما إذا كان بينهما حائل فإنه لا ينقض. والله أعلم. قال:

(ومس الْفَرْجِ ببطن الكَفِّ) 

من نواقض الوضوء (مس الفرج الآدمى) سواء كان من نفسه أو من غيره من ذكر أو أنثى من صغير أو كبير من حيٍّ أو ميتٍ قبلا كان الملموس أو دُبُرًا لصدق الفرج على الكل، ومس الذكر المقطوع والأشل واللمس باليد الشلاء ناقض أيضا على الراجح. ولو مس بأصبع زائدة إن كانت على استواء الأصابع نقضت وإلا فلا على الراجح، وهذا كله فى المس بباطن الكف، فإن مس بظاهر الكف فلا، وكذا المس بحرف الكف أو برءرس الأصابع، أو بما بينهما فلا ينتقض وضوؤه على الراجح، وقال الإمام أحمد تنقض الطهارة بالمس بباطن الكف وظاهره لإطلاق المس فى الأخبار، ورد الشافعى ذلك بأن فى بعض الأخبار لفظ الإفضاء ومعلوم أن المراد من الأخبار واحد والأفضاء فى الكف هو المس ببطن الكف وقول الشافعى فى اللغة ةحجة مع أن ذلك مشهور فى اللغة. قال فى المجمل الأفضاء لغة إذا أضيف إلى اليد كان عبارة عن المس بباطن الكف، تقول العرب أفضيت بيدي إلى الأمير مبايعا وإلى الأرض ساجدا إذا مسها بباطنها وكذا ذكره الجوهرى، وذهب بعض العلماء إلى أن المس لا ينقض محتجا بحديث طلق، وحجة الشافعية حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) صححه الإمام أحمد والترميذى وغيرهما، وقال الحاكم هو على شرط الشيخين، وقال البخارى أنه أصح شيء فى الباب قال ابن حبان وغيره وخبر طلق فى عدم النقض منسوخ به، ولا ينقض مس دبر البهيمة. قال الرافعى بلا خلاف وفيه خلاف، وفى مس قبلها قولان القديم أن ينقد لأن يجب الغسل بالإيلاج فيه فينقض كفرج المرأة، والجديد الأظهر أنه لا ينقض مسه لأنه لا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه فعلى الأظهر لو أدخل يده فيه لم ينتقض وضوؤه على الراجح. والله أعلم.

(فرع) من القواعد المقررة التى ينبنى عليه كثير من أحكام الشريعة استصحاب الأصل وطرح الشك وبقاء ما كان على ما كان، وقد أجمع الناس على أن الشخص لو شك هل طلق زوجته أم لا أنه يجوز له وطؤها كما لو شك فى امرأة هل تزوجها أم لا لا يجوز له وطؤها، ومن ذلك ما إذا تيقن الطهارة وشك فى الحدث فالأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث، ولو تيقن الحدث وشك فى الطهارة فالأصل بقاء الحدث وعدم الطهارة، ولو تيقن الطهارة والحدث جميعا بأن تيقن أنه بعد طلوع الشمس مثلا أن تطهر وأحدث ولم يعلم السابق منهما فبما يأخذ به؟ فيه خلاف، الراجح فى الرافعى والروضة أنه ينظر إن كان قبل طلوع الشمس محدثا فهو الآن متطهرا لأن الحدث قبل طلوع الشمس ترفعه الطهارة بعد طلوع الشمس يقينا، والحدث بعد طلوع الشمس يحتمل أن يكون قبل الطهارة وبعدها فصارت الطهارة أصلا بهذا الاعتبار، وإن كان قبل طلوع الشمس متطهرا فهو الآن محدث لأن يقين الطهارة قبل طلوع الشمس رفعه يقين الحدث بعد الطلوع، ويجوز أن تتقدم الطهارة على الحدث وتتأخر فبقي الحدث أصلا، وعلى ذلك جرى فى المنهاج. وقال فى الروضة هذا يعنى أنه يأخذ بضد ما قبلهما إذا كان ممن يعتاد بجديد الوضوء وإلا فهو الآن متطهر لأن الظاهر تأخر طهارته، وقيل لا نظر إلى ما قبل طلوع الشمس، ويجب الوضوء بكل حال. قال النووى فى شرح المهذب وشرح الوسيط وهذا هو الأظهر المختار قال القاضي أبو الطيب وهو قول عامة أصحابنا والله أعلم. ولو لم يعلم ما قبل طلوع الشمس توضأ بكل حال، ومن هذه القاعدة ما إذا شك من نام قاعدا ممكنا ثم مال وانتبه أيهما أسبق أوشك هل ما رآه رؤيا أو حديث نفس، أوهل لمس الشعر أو بشرة ونحو ذلك فلا ينتقض الوضوء فى جميع ذلك والله أعلم. قال:


كفاية الأخيار: (فصل والإستنجاء)

 (فَصْلٌ (*) والإستنجاءُ واجب من البول والغائط) احتج له بقوله صلى الله عليه وسلم (وَلْيَسْتَنجِ يثلاثة أحجار) وهو أمر وظاهره الوجوب، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ثلاثةُ أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئُ عنه) رواه أبو داود وأحمد والدارقطنى، وابن ماجه بإسناد جسن صحيح، وقوله (من البول والغائط) يؤخذ منه أنه لا يجب من الريح بل قال الأصحاب لا يستجب. بل قال الجرجانى أنه مكروه. قال الشيخ نصر أنه بدعة ويأثم به قال النووى فى شرح المهذب: أما قوله بدعة فصحيح، وأما الإثم فلا إلا أن يعتقد وجوبه مع علمه بعدمه. وقال ابن الرفعة إذا كان المحل رطبا ينبغى أن يجىء فى وجوب الإستنجاء منه خلاف بناء على نجاسة دخان النجاسة، كما قيل بمثله فى تنجس الثوب الذى يصيبه وهو رطب ثم قال: وقد يجاب بأنه لا يزيد على الباقي على المحل بعد الإستجمار.

(والأفضل أن يستجمر بالأحجار، ثم يُتْبِعُهَا بالماء ويجوز أن يقتصر على الماء أو على ثلاثة أحجار يُنْقِى بهن المحل، وإذا أراد الإقتصار على أحدهما فالماء أفضل) الأفضل فى الإستنجاء أن يجمع بين الماء والحجر أو ما فى معناه لأن الله تعالى أثنى على أهل قباء بذلك، وأنزل فيهم قوله تعالى وهو أصدق القائلين (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين) وفيه من طريق المعنى أن العين تزول بالحجر، والأثر يزول بالماء فلا يحتاج إلى ملاطخة النجاسة، ولهذا يقدم الحجر أولا. ثم إن قضية  التعليل أنه لا يشترط طهارة الحجر، وبه صرح العجلى ونقله عن الغزالى (*) واعلم أن الحديث ضعفوه. ورواه البزار بإسناد ضعيف ولفظه (فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا نُتْبِعُ الحِجَارَةَ المَاءَ) وأنكر النووى هذه الرواية فى شرح المهذب، فقال كذا رواها الفقهاء فى كتبهم وليس له أصل فى كتب الحديث بل المذكور فيه (كنا نستنجى بالماء) وليس فيها مع الحجر كذا رواه جماعة منه الإمام أحمد، وابن حزيمة، ولو اقتصر على الماء أجزأ لأنه يزيل العين والأثر وهو الأفضل عند الإقتصار على أحدهما ويجوز أن يقتصر على ثلاثة أحجار، أو على حجر له ثلاثة أحرف، والواجب ثلاث مسحات فإن حصل الإنقاء بهما وإلا وجبت الزيادة إلى الإنقاء. ويستحب الإيتار (*) واعلم أن كل ما هو فى معنى الحجر يجوز الإستنجاء به، وله شروط: أحدها لأت يكون طاهرا، فلو استنجى بنجس تعين الماء بعده على الصحيح. الشرط الثانى أن يكون ما يستنجى به قالعا للنجاسة، منشفا فلا يجزىء الزجاج ولا القصب، ولا التراب المتنائرة ويجوز الصلب. فلو يستنجى بما لا يقلع لم يجزه ولو استنجى برطب من حجر أو غيره لم يجزه على الصحيح: الشرط الثالث أن لا يكون محترما، فلا يجوز الإستنجاء يمطعوم كالحبز والعظم ولا بجزء من كيده ويد غيره، ولا يجزء حيوان متصل يه كذنب البعير لأنه محترم وإذا يستنجى بمحترم عصى ولا يجزيه على الصحيح نعم يجوز الحجر بعده بشرط أن لا ينتقل النجاسة، وأما الجلد فالأظهر أنه إن كان مدبوغا جاز الإستنجاء به وإلا فلا. ثم يشترط مع ذلك أن لا يجف الخارج فإن جف تعين الماء لأنه لا يمكن إزالته إلا بذلك. قال:

(وَيَجْتَنِبُ استقبال القبلة وستدبارها فى الصحراء) إذا أراد قضاء الحاجة فى الصحراء حرُمَ عليه الإستقبال والإستدبار إذا لم يستتر بشيء سترة معتبرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتيتم الغائط فلا يستقبلوا القبلة ولا يستدبروها ببول وبلا غائط ولكن شرقوا أو غربوا) رواه الشيخان نهى عن ذلك وظاهره التحريم، واختلف فى علة ذلك، فقيل لأن الصحراء لا يخلو عن مصل من ملك أو جني أو إنسي، فربما وقع بصره على فرجه فيتأذى به. قالى النووى فى شرح التنبيه هذا التعليل ضعيف والتعليل الصحيح ما ذكره القاضى حسين والبغوى والرويانى وغيرهم أن جهة القبلة معظمة فوجب صيانتها فى الصحراء، ورُخِّصَ فى البنيان للمشقة. والله أعلم. (قلت) وَقَوَّى هَذَا التَّعْلِيْلَ الشخُ تقي الدين بن دقيق العيد، واحتج له بحديث سراقة بن مالك رضي الله تعالى عنه قلا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول (إذا أتى أحدكم البول فليكرم قبلة الله عز وجل فلا يستقبل القبلة) قال، وهذا ظاهر قوي فى التعليل بما ذكرناه والله أعلم. قال النووى إن كان بين يديه ساتر مرتفع قدر ثلثي ذراع وقرب منه على ثلاثة أذرع جاز الإستقبال سواء كان فى البنيان أو الصحراء هذا هو الصحيح، ومنهم من جزم فى الصحراء مطلقا، قاله فى شرح المهذب والله أعلم. وقوله (فى الصحراء) احترز بها عن غيرها، فلا يحرم استقبال القبلة واستدبارها فى البنيان. قال ابن عمر رضي الله عنهما، (إرتقيت على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس). وفى رواية البخارى، (فرأيته مستدبر القبلة مستقبل الشام). والله أعلم. قال:

(والبول فى الماء الراكد) تقدير كلام الشيخ، ويجتنب البول فى الماء الراكد، وقد عد الرافعى عدم البول فيه من الآدب، وتبعه فى الروضة، واحتج لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولنَّ أحدكم فى الماء الدائم). وفى رواية (الراكد). قال الرافعى: وهذا المنع يشتمل القليل والكثير، لما فىه من الإستقذار، والنهي فى القليل أشد، لما فيه من تنَجُّسِ الماء، وفى الليل أشد، لما قيل للجن فى الليل فلا ينبغى أن يبال فيه، ولا يغتسل فيه، خوفا من آفة تصيبه منهم. هذا كله فى الراكد وأما الماء الجارى، فقال النووى فى شرح المهذب: قال جماعة إن كان قليلا كره وإن كان كثر فلا، وفيه نظر، وينبغى أن يحرم البول فى القليل قطعا لأن فيه إتلافا عليه وعلى غيره، وأما الكثير فلأولى اجتنابه لكن جزم ابن رفعة بالكراهة فى الماء الكثير الجارى ليلا لأجل الجان والله أعلم. قال:

(وتحت الشجرة المُثْمِرَةِ) أي ويجتنب البول تحت الشجرة المثمرة، والغائط أولى، والحكمة فى ذلك حتى لا تنجس الثمرة فتغسل، أو تعافها الأنفس، والمراد بالثمرة التى من شأنها أن تثمر، قاله النووى فى شرح المهذب ولهذا تكون الكراهة فى غير وقت الثمرة أخف. قال:

(وفى الطريق) أي ويجتنب البول فى الطريق، والغائط أولى لقوله صلى الله عليه وسلم: (إتقوا اللعانين! قالو: وما اللعانان؟ يا رسول الله! قال: الذى يتخلَّى فى طريق الناس أو فى ظلهم) رواه مسلم. قال:

(والثقب) أي ويجتنب أن يبول فى ثقب، وهو ما استدار، ويعتبر عن بالبخش، لأنه عليه الصلاة والسلام (نهى أن يبول فى الحجر لأنه مساكن الجن) رواه أبو داود والنسائى، وقال الحاكم صحيح على شروط الشيخين. قال:

(والظِّلِّ) أي يجتنب البول، والغائط أولى فى ظل الناس لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز فى الموارد وقارعة الطريق والظِّلِّ) رواه أبو داود، والمراد قيل المواضع التى يرد إليه الناس، وقيل طريق الماء، وقارعة الطريق أعلاه، وقيل صدره وقيل ما برز منه، ومواضع الشمس فى الشتاء كمواضع الظل فى الصيف، ويحرم البول على القبر كما يحرم الجلوس عليه، وكذا يحرم البول فى المسجد، وإن كان فى إناء على الراجح المفتى به، ويكره البول قائما إلا لعذر، لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم فعله لعذر. قال:

 (ولا يتكلم على البول والغائط) أي ندبا، قال أبو سعيد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفي عورتيهما يتحدثان فإن الله تعالى يمقت على ذلك) رواه أبو داود، والمقت أشد البغض، والحديث مكروه، ولم يفض إلى التحريم كما فى قوله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق) وفى معنى الكلام رد السلام، وتشميت العاطس والتحميد، فلو عطس حمد الله تعالى بقلبه ولا يحرك لسانه، قال المحب الطبرى: وينبغى أن لا يأكل ولا يشرب، وينبغى أن لا ينظر ما يخرج منه، ولا إلى فرجه، ولا إلى السماء، ولا يعبث بيده، ويكره إطالة القعود على الخلاء، ويكره أن يكون معه شيء فيه إسم الله تعالى، كالخاتم والدراهم، وكذا ما كان فيه قرآن، وألحق باسم الله تعالى اسم رسول اللهه تعظيما له، (كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل الخلاء وضع خاتمه لأن كان عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الترميذى، وقال حسن صحيح، وقال الحاكم هو على شرط الشيخين (*) واعلم أن كل اسم معظم ملحق بما ذكرنا فى النزع صرح به أمام الحرمين. وتبعه ابن رفعة فيدخل فيه أسماء جميع الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال:

(ولا يَستقبلُ الشمسَ والقمر ولا يستدبرُهَا) استقبال الشمس والقمر في حال قضاء الحاجة مكروه، سواء الصحراء والبنيان لأنهما من آيات الله تعالى الباهرة وفيه حديث، وهل يكره استدبارهما، قال النووي في شرح المهذب: الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور أن لا يكره، لكن جزم الرافعي في التذنيب أنه يكره كالاستقبال، ووافقه النووي عليه في مختصر التذنيب، ثم إن النووي خالف الأمرين في شرح الوسيط، فقال: لم يذكر الشافعي والأكثرون أن قاضي الحاجة يترك استقبال الشمس والقمر، والمختار أنه مباح فعله وتركه سواء، وقال فى التحقيق: إن الكراهة لا أصل لها. والله أعلم.

(فرع) قال فى التنبيه: ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض يعني عن عورته لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وهو ندب، قال ابن الرفعة: وكونه ندبا فيه نظر لأن الصحيح أن كشف العورة في الخلوة بلا حاجة حرام لأن الله تعالى أحق أن يستحيا منه، ولا حاجة قبل الدنو، وما بحثه ابن الرفعة خرجه النووي في شرح التنبيه على ذلك، لكنه قال في شرح المهذب: إن هذا مستحب بالاتفاق وليس بواجب صرح به أبو حامد وابن الصباغ والمتولي وغيره والله أعلم. قال الماوردي: ويستحب إذا فرغ أن يسيل ثوبه قبل انتصابه قائما، قال النووي في شرح المهذب: وما قاله حسن إذا لم يخف تنجيس ثوبه فإن خاف رفعه قدر حاجته. ومن آداب قضاء الحاجة أن لا يبول في مهب الريح، وأن تعتمد على رجله اليسرى وقدمها عند محل البول، وأن يهيئ أحجار الاستجمار قبل جلوسه، وأن لا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة إلى في الميض، وأن يقول عند الدخول بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وعند الفراغ: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافني، وأن يبعد عن الناس، وأن يتخذ موضعا لينا للبول، وأن ينضح فرجه وسراويله بعد الاستنجاء دفعا للوسواس ولو غلب على ظنه زوال النجاسة، ثم شم من يديه ريحا، فهل يدل على البقاء النجاسة في المحل كاليد؟ الأصح لا، والله أعلم. قال:


كفاية الأخيار: (فصل: وسننه)

 (فَصْلٌ وَسُنَنُهُ عَشْرُ خِصَالٍ: التَّسْمِيَةُ) للوضوء سنن، منها <التسمية> فى ابتدائه (رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ فِى إِنَاءٍ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ تَوَضَّئُوا بِاسْمِ الله) رواه البيهقى قال النووى أسناده جيد وفى الحديث (كُلُّ أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أجذم) أي أقطع، وهي سنة متأكدة وقد قال الإمام أحمد بوجوبها فلو نسيها فى ابتداء الوضوء أتى بها مت ذكرها فى الوضوء كما فى تسمية الطعام، ولو تركها عمدا فهل يشرع تداركها؟ فيه خلاف، والراجح نعم، وفى الحديث (من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه وإن لم يذكر اسم الله تعالى كان طهورا لأعضاء وضوئه) رواه الدارقطنى والبيهقى وضعفه من جميع طرقه. قال: 

(وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الإناءَ) من سنن الوضوء <غسل الكفين قبل غسل الوجه>، ولهما أحوال: أحدهما أن يتيقن نجاستهما، فهذا يكره له غمس كفيه فى الإناء قبل غسلهما ثلاثا كراهة تحريم لأنه يفسد الماء، الحالة الثانية أن يشك فى نجاستهما كمن نام ولا يدري أين باتت يده فهذا يكره له أيضا غمس كفيه فى الإناء قبل غسلهما ثلاثا لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما فى الإناء ثلاثا. فإنه لا يدرى أين باتت يده)، وفى رواية (فلا يغمس يديه فى الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثا) وهذا مذهب الشافعى ومالك وذهب بعض العلماء إلى وجوب غسلهما قبل إدخالهما فى الإناء عند الإستيقاظ من النوم لظاهر النهي ولم يفرق بين نوم الليل والنهار، وذهب الإمام أحمد إلى وجوب ذلك من نوم الليل دون نوم النهار لقوله صلى الله عليه وسلم: (أين باتت يده) والمبيت يكون بالليل دون النهار، والشافعى رحمه الله حمل النهي على غير الوجوب لقرينة، الحالة الثالثة أن يتيقن طهارتهما فهذا لا يكره له غمس كفيه فى الإناء قبل غسلهما ولكن يستحب. وهذه الحالة هي التى ذكرها الشيخ، ومأخذها أنه الوارد فى صفة وضوء النبى صلى الله عليه وسلم من غير تعرض لسبق نوم وانتفت الكراهة لفقد العلة الواردة فى الخبر، إذ الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما. والله أعلم. قال:

(والمضمضة والإستنثاق) لفعله صلى الله عليه وسلم: وقال الإمام أحمد بوجوبهما، وحجة الشافعى قوله صلى الله عليه وسلم (عشر من السنة وعَدَّ منها المضمضة والإستنشاق) رواه مسلم، ثم أصل السنة يحصل بإيصال الماء إلى الغم والأنف سواء أداره أم لا، هذا هو الراجح لكن نص الشافعى على إدارته فى الغم ولا يشترط فى تحصيل السنة أن يمج الماء حتى لو ابتلعه تأدت السنة قاله النووى فى شرح المهذب، وذهب جماعة إلى اشتراط مج الماء فى تحصيل السنة، وتقدم المضمضة على الإستنشاق شرط فى تحصيل السنة على الراجح وقيل مستحب. والله أعلم:

(فرع) يستحب المبالغة فى المضمضة والإستنشاق لغير الصائم، وأما الصائم فقيل يحرم فى حقه قاله القاضى أبو الطيب، وقيل يكره قاله البذنيجى وغيره، وقيل تركها مستحب قاله ابن الصباغ. والله أعلم. قال:

(واستيعاب الرأس بالمسح) من سنن الوضوء <استيعاب الرأس بالمسح> لفعله صلى الله عليه وسلم وللخروج من الخلاف، والسنة فى كيفية المسح أن يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذى بدأ منه روى ذلك عبد الله بن زيد رضي الله عنه فى وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضع إبهاميه على صدغيه ويلصق السبابتين، والذهاب والعود مرة، وهذا فيمن له شعر ينقلب بالذهاب والرد ليصل البلل إلى باطن الشعر وظاهره، وأما من لا شعر له أوله شعر لا ينقلب فيقتصر على الذهاب فلو رده لم تحسب ثانبة لكون الماء بقي مستعملا، ولو لم يرد نزع ما على رأسه من عمامة أو غيرها مسح على جزء من رأسه وتمم على العمامة، والأفضل أن لا يقتصر على أقل من الناصية لأنه عليه الصلاة والسلام مسح بناصيته وعلى عمامته، وشرط الرافعى أن يعسر رفع العمامة ذكره فى الشرحين والمحرر وتبعه فى المنهاج وحذفه من الروضة ولا يجوز الإقتصار على مسح العمامة قطعا فى الرافعى والروضة لأنه مأمور بمسح الرأس، والماسح على العمامة ليس بماسح له، وفى البحر عن محمد بن نصر من كبار الأصحاب أنه يكفي. والله أعلم. قال:

(وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ) يستحب مسح الأذُنين <ظاهرها وباطنها بماء جديد> وكذا يستحب مسح الصماخين بماء جديد، قال عبد الله بن زيد رضي الله عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذى أخذه لرأسه) رواه الحاكم والبيهقى وقالا إسناده صحيح، وزاد الحاكم فقال على شرط مسلم. وكيفية المسح أن يُدْخِلَ مسيحتيه فى صماخيه ويديرهما فى المعاطف ويمر إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا، وهذه الكيفية ذكرها الرافعى وأسقطها النووى من الروضة. قال:

(وتخليل اللحية الكثة، وتخليل أصابع اليدين والرجلين) رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما (أنه عليه الصلاة والسلام  كان إذا توضأ شَبَّكَ لحيته الكريمة بأصابعه من تحتها) رواه ابن ماجه وروى ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) قال البخارى وهذا أصح ما فى الباب، وقال الترمذى أنه حسن صحيح (*) وأما تحليل الأصابع فعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فخَلِّلْ أصابع يديك ورجليك) رواه ابن ماجه والترميذي وقال حسن غريب وقال: فى علله سألت البخارى عنه فقال حسن (*) وكيفية تخليل أصابع رجليه أن يبدأ بخنصر يده اليسرى من أسفل الرجل مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر اليسرى وهذه الكيفية رجحها النووى فى الروضة، وحكى وجها أنه يخلل بين كل أصبع من أصابع الرجلين بأصبع من أصابع يده، وحكى فى شرح المهذب وجها آخر أنه يبدأ بخنصر اليد اليمنى وأخبر أنهما سواء وعزاه إلى إمام الحرمين ثم قال أن ما قاله الإمام هو الراجح المختار وكذا اختاره فى التحقيق وتخليل أصابع اليدين بالتشبيك ثم إن كانت الأصابع ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل وجب وإن كانت ملتحمة قال لا يجب فتقها ولا يستحب قاله فى زيادة الروضة بل يجوز والله أعلم. قال:

(وَتَقْدِيْمُ الْيُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، والطهارة ثلاثا، ثلاثا والموالة): عنى أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأتم فابداءوا بميامنكم) رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حزيمة وابن حبان (وعن عائشة رضي الله عنها قالت" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن فى تنعله وترجله وطهوره وفى شأنه كله) ومعنى الترجل التسريح يبدأ بالشق الأيمن فى الطهور ويبدأ باليد اليمنى والرجل اليمنى فى الوضوء وبالشق الأيمن فى الغسل، وأما الأذنان والخدان فيطهران معا، فإن كان أقطع قدم اليد اليمنى (*) وأما الإستحباب كونه ثلاثا ففى حديث عثمان رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ ثلاثا، ثلاثا) رواه مسلم، ولا فرق فى ذلك بين الرأس وغيره، واستحب بعض الأصحاب مسح الرأس مرة، واحتج بأن أحاديث عثمان رضي الله تعالى عنه الصحاح تدل على مسح الرأس مرة. قال: وقد جاء فى مسلم وصف عبد الله بن زيد وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح رأسه مرة واحدة، وقد قيل: أن الترميذى حكاه عن نص الشافعى، والمشهور من مذهب الشافعى، وبه جزم الجمهور أنه يستحب مسحة ثلاثا، وحجة ذلك حديث عثمان رضي الله تعالى عنه، وفى رواية أبى داود فى حديث عثمان رضي الله تعالى عنه: أنه عليه الصلاة والسلام مسح رأسه ثلاثا نعم فى سنده عامر بن شقيق قال الحاكم لا أعلم فى عامر طمنا بوجه من الوجوه، وفى ابن ماجه (أن عليا رضي الله تعالى عنه توضأ ثلاثا، ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا وقال هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم) والله أعلم.

وأهمل المصنف رحمه الله سننا (*) منها مسح الرقبة، وصحح الرافعى فى شرح الصغير أنها سنة، واحتج فى الشرح الكبير بأنه عليه الصلاة والسلام قال: (مسح الرَّقَبَةِ أمانٌ من الْغِلِّ)  واعترض النووى فقال لا يمسح لأنه لم يثبت فيها شيء ولهذا لم يذكره الشافعى ومتقدموا الأصحاب وهو الصواب قال فى شرح المهذب والحديث موضوع. قال الحموي شارح التنبيه: الجديد أن مسح الرقبة ليس بسنة ومقتضاه أن في ذلك قولين والله أعلم. ومنها الدعوات على أعضاء الوضوء قاله الرافعى قال النووى: هذه الأدعية لا أصل لها ولم يذكرها إلا الشافعى والجمهور. ومنها الإستعانة خل تكره؟ وجهان قال النووي: والجهان فيما إذا استعان بمن يصب عليه وأصحابهما لا يكره أما إذا استعان بم يغسل أعضاءه فمكروه قطعا، وإن كان بإحضار الماء فلا بأس ولا يقال خلاف الأولى وحيث كان له عذر فلا يأس بالإستعانة مطلقا. ومنها هل يستحب ترك التنشيف؟ فيه أوجه الصحيح أن تركه مستحب كذا صححه في أصل الروضة، وقيل إنه مباح فعله وتركه سواء، واختار النووي في شرح المهذب وقيل مستحب مطلقا، وقيل يكره التنشيف مطلقا، وقيل يكره في الصيف دون الشتاء، قال النووى في شرح النمهذب: محل الخلاف إذا لم تكن حاجة إلى التنشيف لحر أو برد أو التصاق نجاسة فإن كان فلا كراهة قطعا، ولا يقال أنه خلاف المستحب، ومنها يستحب أن لا يتفض يديه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان) رواه ابن أبى حاتم وغيره فلو خالف ونقض فالذى جزم به الرافعى أنه يكره، وخالفه النووى فرجح أنه لا يكره بل هو مباح فعله وتركه سواء، وقال فى التحقيق أنه خلاف الأولى، والحديث قال في شرح المهذب: إنه ضعيف لا يعرف، ومنها الموالة وهي واجبة في القديم، وأن يقول بعد التسمية: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا، ويخلل الخاتم ويتعهد ما يحتاج إلى الإحتياط ويبدأ بأعلى وجهه وبمقدم الرأس، وفي اليد والرجل بأطراف الأصابع إن صب على نفسه وإن صب عليه غيره بدأ بالمرفقين والكفين، وأن لا ينقص ماء الوضوء عن مد ولا يسرف ولا يزيد على ثلاث مرات، ولا يتكلم فى أثناء الوضوء ولا يلطم وجهه بالماء، وأن يقول بعد الوضوء (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) (*) وبقيت سنن أخر مذكرة فى الكتب المطولة تركناها خشية الإطالة. والله أعلم.

(فرع) لو شك فى غسل بعض أعضائه فى أثناء الطهارة لم يُحْسَبْ لَهُ، وبعد الفراغ لا يضُرُّ الشَّكُّ على الراجح لكثرة الشك مع أن الظاهر كمال الطهارة، ويشترط فى فصل الأعضاء جريان الماء على العضو المغسول بلا خلاف، والله أعلم.


كفاية الأخيار: (فصل وفرائض الوضوء)

 (فصل* وفرائض الوضوء ستة: عند غسل الوجه)  إعلم أن الوضوء له شروط وفروض. فالشروط الإسلام، والتمييز، وطهورية الماء. وعدم المانع الحسى كالوسخ. وعدم المانع الشرعى كالحيض والنفاس، ودخول الوقت فى حق ذوى الضرورات. كالمستحاضة ومن به الريح الدائم. وأما الفروض فستة كما ذكره الشيخ. أحدها <النية> لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات) رواه الشيخان، وهي فرض فى طهارات الأحداث، ولا تجب فى إزالة النجاسات على الصحيح، والفرض أن المقصود من النجاسات إزالتها، وهي تحصل بالغسل بخلاف الأحداث فإن طهارتها عبادة فتفتقر إلى نية كسائر العبادات: كذا قاله الرافعى، وشرط صحتها الإسلام: فلا يصح وضوء الكافر ولا غسله على الصحيح لأن النية عبادة والكافر ليس من أهلها ولا تصح طهارة المرتد قطعا تغليظا عليه، ووقت النية الواجبة عند غسل أول جزء من الوجه لأن أول العبادات الواجبة ولا يثاب على السننة الماضية. وكيفيتها إن كان المتوضئ سليما لا علة به أن ينوي أحد ثلاثة أمور. أحدها رفع الحدث أو الطهارة عن الحدث. الثانى أن ينوي استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح إلا بالطهارة. الثالث أن ينوي فرض الوضوء أو أداء الوضوء وإن كان الناوي صبيا. قال النووى قى شرح المهذب ولو نوى الطهارة للصلاة أو الطهارة لغيرها مما يتوقف على الوضوء كفى وذكره فى التنبيه، ولو نوى الطهارة ولم يقل عن الحدث لا يجزيه على الصحيح لأن الطهارة تكون عن الحدث وعن النجس فلا بد من نية تميز. ولو نوى الوضوء فقط صح على الأصح فى التحقيق وشرح المهذب بخلاف ما إذا نوى الغسل وهو جنب فلا يكفى، وفرق الماوردى فهو نهاية النية، وأما من به علة كمن به سلس البول أو كانت مستحاضة فينوى الإستباحة على الصحيح ولا يصح أن ينوي رفع الحدث لأن الحدث مستمر ولا يتصور رفعه، وقيل: يجب أن يجمع بينهما وقيل يكفى أحدهما. (فرع) شرط النية الجزم فلو شك فى أنه محدث فتوضأ محتاطا ثم تيقن أنه محدث لم يعتد بوضوئه على الأصح لأنه توضأ مترددا، ولو تيقن أنه محدث وشك فى أنه تطهر ثم بان محدثا أجزأه قطعا لأن الأصل بقاء الحدث فلا يضر تردده معه فقوي جانب النية بأصل الحديث بخلاف الصورة الأولى. والله أعلم.

(فرع) لو كان يتوضأ فنسي لمعة فى المرة الأولى فانغسلت فى الغسلة الثانية أو الثالثة أجزأه على الصحيح بخلاف كت إذا انغسلت اللمعة فى تجديد الوضوء فإنه لا يجزئه على الصحيح والفرق أن نية التجديد لم تشتمل على نية فرض بخلاف الغسلة الثانية والثالثة فإن النية فرض الوضوء شملت الثلاث فما لم يتمم الأولى لا تحصل الثانية والثالثة والخطاء فى الإعتقاد لا يضر: ألا ترى أن المصلى لو ترك سجدة من الأولى ناسيا وسجد فى الركعة الثانية تمت الأولى وإن اعتقد خلاف ذلك والله أعلم. قال:

(وَغَسْلُ الوَجْهِ) الفرض الثانى غسل الوجه، وهو أول الأركان الظاهرة، قال الله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم)، ويجب استعابه بالغسل، وحَدُّهُ من مبتدأ تستطيح الجبهة إلى منهي الذَّقَنِ طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا، وموضع التحذيف ليس من الوجه، والصدفان ليس من الوجه، ثم الشعر النبات فى الوجه قسمان: أحدهما لم يخرج عن حد الوجه. والثانى خارج عنه، والذى لم يخرج عن حد الوجه قد يكون نادر الكثافة، وقد يكون غير نادر الكثافة: فالنادر الكثافة كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين، وهما المحاذيان للأذنين بين الصُّدغ والعارض: فيجب غسل ظاهر هذاه الشعور وباطنها مع البشرة تحتها وإن كثف لأنها من الوجه، وأما شعر العارضين فإن كان خفيفا وجب غسل ظاهره وباطنه مع البشرة، وإن كان كاشفا وجب غسل ظاهره على الأظهر، ولو خف بعضه وكثف بعضه فالراجح أن للخفيف حكم الخفيف المحض وللكثيف المحض، وفى ضابط الخفيف والكثيف خلاف، الصحيح أن الخفيف ما ترى البشرة تحته فى مجلس التخاطب والكثيف ما يمنع الرؤية. *القسم الثانى الشعور الخارجة عن حد الوجه وهو شعر اللحية والعارض والعذار والسبال طولا وعرضا، فالراجح وجوب غسل ظاهرها فقط لأن يحصل به الواجهة، وقيل لا يجب لأن خارجة عن حد الوجه. قال وى زيادة الروضة يجب غسل جزء من رأسه ورقبته وما تحت دقنه مع الوجه لتحقيق استيعابه، ولو قطع أنفه أو شفته لزمه غسل ما ظهر بالقطع فى الوضوء والغسل على الصحيح لأنه يبقى وجها، ويجب غسل ما ظهر من حمرة الشفتين، ويستحب أن يأخذ الماء بيديه جميعا. قال:

(وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين لقوله تعالى (وأيديِكُمْ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ) ولفظة إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى (من أنصارى إلى الله) أي مع الله، ويدل لذلك ما روى جابر رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدير الماء على المرافق) رواه الدارقطنى والبيهقى ولم يضعفاه. وروي (أنه أدار الماء على المرفقيه، وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) ويجب إيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة حتى لو كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى البشرة لم يصح وضوءه وصلاته باطلة. والله أعلم. قال:

(وَمَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ) الفرض الرابع. مسح بعض الرأس لقوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) وليس المراد هنا مسح جميع الرأس لحديث المغيرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح بناصيته وعلى عمامته وعلى الخوفين) رواه مسلم. ولأن من أَمَرَّ يده على هامة اليتيم صح أن يقال مسح برأسه، وحينئذ فالواجب ما ينطلق عليه اسم المسح ولو مدة بأن كان مُتَجَعِّدًا، ولا يضر مجاوزة منبت المسموح على الصحيح ولو غسل رأسه بدل المسح أو ألقى عليه قطرة ولم تسل أو وضع يده التى عليها الماء على رأسه ولم يمرها أجزأه على الصحيح. قال فى زيادة الروضة ولا تتعين اليد للمسح بل يجوز بخشبة أو خرقة وغيرهما ويجزيه مسح غيره له، والمرأة كالرجل فى المسح. والله أعلم. قال:

(و<الخامس> غسل الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ) لقوله تعالى (وأرجلكم إلى الكعبين) فعلى قراءة النصب يكون الغسل متعينا. والتقدير واغسلوا أرجلكم، وعلى قراءة الجر فالسنة بينت الغسل. ولو كان المسح جائزا لبينه صلى الله عليه وسلم ولو مرة كما فعل صلى الله عليه وسلم فى غير ذلك. قال النووى فى شرح مسلم واتفق العلماء على أن المراد بالكعبين العظمان الناتئان بين الساق والقدم، وفى كل رِجْلٍ كعب وهو العظم الذى فى ظهر وحُكِيَ هذا عن محمد بن الحسن ولا يصح، وحجة العلماء فى ذلك نقل أهل اللغة والإشتقاق، وهذا الحديث الصحيح الذى نحن فيه يدل لذلك ففيه: (فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ورجله اليسرى كذلك) فأثبت فى كل رجل كعبين. والله أعلم. (*) قلت وحديث النعمان بن بشير رضى الله تعالى عنه صريح فى ذلك قال: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقِيْمُوا صُفُوْفَكُمْ فَرَأْيْتُ الرَّجُلَ منا يُلْصِقُ مِنْكَبَهُ بمنكب صاحبه وكعبه بكعبِهِ) رواه البخارى، ومعلوم أن هذا فى كعب المفصل ولا يتأتى فى الذى على ظهر القدم، والله أعلم.

واعلم أن الغسل واجب إذا لم يمسح على الخف، وقراءةُ الجر محمولة على مسح الخُفِّ ويجب غسل جميع الرجلين بالماء، وينقى البشرة والشعر حتى يجب غسل ما ظهر بالشق ولو وضع فى الشق شمعة أو حيناء وله جرم لا يجزئ وضوؤه ولا تصح صلاته، وكذ يجب عليه إزالة جزء البراغيث حيث استيقظ من نومه فليحترز عن مثل ذلك فلو توضأ ونسي إزالته ثم علم وجب عليه غسل ذلك المكان وبما بعده وإعادة الصلاة، والله أعلم.

(فرع) إذا اجتمع على الشخص حدثٌ أصغر وهو الوضوء وحدث أكبر وهو الغسل ففيه خلاف منتشر الصحيح المفتى به يكفيه غسل جميع بدنه بنية الغسل ولا يجب عليه الجمع بين الوضوء ولا ترتيب فى ذلك والله أعلم. قال:

(وَالتَّرْتِيْبُ علَى مَا ذَكَرْنَاه) الفرض السادس، الترتيب وفرضيته مستفادة من الآية إذا قلنا الواو للترتيب وإلا فمن فعله وقوله عليه الصلاة والسلام إذ لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه ما توضأ إلا مرتبا ولأنه عليه الصلاة والسلام قال بعد أن توضأ مرتبا (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) أي بمثله، رواه البخارى، ولأن الوضوء عبادة يرجع فى حالة العذر إلى نصفها فوجب فيها الترتيب كالصلاة، فلو نسي الترتيب لم يجزه كما لو نسي الفاتحة فى الصلاة أو النجاسة على بدنه.

(فرع) خرج من فرجه بلل يجوز أن يكون منيا ويجوز أن يكون مذيا واشتبه عليه الحال فما الذي يجب عليه؟ فيه خلاف منتشر علقته فى بعض الكتب أكثر من ثلاثة عشرة مقالة الراجح فى الرافعى والوضة أنه يتخير فإن شاء جعله مذيا وتوضأ فقد أتى بما يقتضى الوضوء فارتفع حدثه الأصغر وبقي الحدث الأكبر مشكوكا فيه والأصل عدمه وكذا يقال إذا اغتسل، وقيل يجب عليه الأخذ بالإحتياط لأن تحققنا شغل ذمته بأحد الحدثين ولا يخرج عن ذلك إلا بيقين بأن يحتاط كما لو لزم ذمته صلاة من صلاتين ولم يعرف عينها يجب عليه أن يصيلهما. وهذا قوي رجحه النووى رحمه الله فى شرح التنبيه وفى رؤوس المسائل له. والله أعلم. قال:


كفاية الأخيار: (فصل: والسواك)

(فَصْلٌ* السِّوَاكُ مُسْتَحَبُّ فِى كُلِّ حَالٍ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ، وَهُوَ فِى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِّ مِنْ أَزْمٍ وَغَيْرِهِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ) السواك سنة مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (السِّواكُ مَطْهَرَةٌ للفم مرضاة للرب) وهو حديث صحيح رواه ابن حزيمة وابن حبان والبيهقى والنسائى بإسناد صحيح، وذكره البخارى تعليقا بصيغة الجزم وتعليقاته بصيغة الجزم صحيحة، و(مطهرة) بفتح الميم وكسرها هي كل إناء يتطهر به فشبه السواك بذلك لأنه يطهر الفم، وهل يكره للصائم بعد الزوال فيه خلاف، الراجح فى الرافعى والروضة أنه يكره لقوله عليه الصلاة والسلام (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، رواه البخارى، وفى رواية مسل (يوم القيامة)، والخلوف بضم الخاء واللام هو التغيير، وخُص بما بعد الزوال، لأن تغير الفم بسبب الصوم حينئذ يظهر، فلو تغير فمه بعد الزوال بسبب آخر كنوم أو غيره فاستاك لأجل ذلك لا يكره، وقيل لا يكره الإستياك مطلقا، وبه قال الأئمة الثلاثة، ورجحه النووي فى شرح المهذب، وقال القاضى حسين يكره فى الفرض دون النفل خوفا من الرياء، وقول المصنف <للصائم> يؤخذ منه أن الكراهة تزول بغروب الشمس وهذا هو الصحيح فى شرح المهذب، وقيل تبقى الكراهة إلى الفطر والله أعلم.

ثم السواك يتأكد استحبابه فى مواضع: منها <عند تغير الفم من أزم وغيره>، والأزم قيل السكوت الطويل، وقيل هو ترك الأكل، وقوله <وغيره> يدخل فيه ما إذا تغير بأكل ماله رائحة كريهة كالثوم والبصل ونحوهما، ومنها <عند القيام من النوم> (كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ اسْتَاكَ) وروي (يشوص فاه بالسواك) ومعنى يشوص ينظف ويغسل، والحديث رواه الشيخان، ووجه تأكيد الإستحباب عند القيام منه أن النوم يستلزم ترك الأكل والسكوت وهما من أسباب التغير، ومنها <عند القيام إلى الصلاة> لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) رواه الشيخان. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك) رواه أبو نعيم من حديث الحميدى بإسناد كل رجاله ثقات، والسواك المتأكد عند القيام إلى الصلاة ذات تسليمات كالضحى والتراويح والتهجد استحب لع أن يستاك لكل ركعتين، وكذا للجنازة والطواف، ولا فرق بين الصلاة بالوضوء أو التيمم أو عند فقد الطهرين، ويتأكد الاستحباب أيضا عند الوضوء وإن لم يصل، روى النسائى (لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) وصححها ابن حزيمة، وعلقها البخارى، ويستحب عند قراءة القرآن، وعند اصفرار الأسنان وإن لم يتغير الفم.

واعلم أنه يحصل الإستياك بخرقة وبكل خشن مزبل، والعواد أول، والأراك أولى، والأفضل أن يكون بيابس ندي بالماء، ويستحب غسله ليستاك به ثانيا، ولو استاك بأصبع غيره وهي خشنة أجزأ قطعا قاله فى شرح المهذب، وفى أصبعه خلاف: الراجح فى الروضة لا يجزئ، والراجح فى شرح المهذب الأجزاء، وبه قطع القاضى حسين والمحاملى والبغوى والشيخ أبو حامد، واختاره الرويانى فى البحر ولا بأس أن يستاك بسواك غيره بإذنه: ويستحب أن يستاك بيمينه وبالجانب الأيمن من فمه وأن يمره على سقف حلقه إمرارا لطيفا وكراسي أضراسه، وينوي بالسواك السنة، ويستحب عند دخول المنزل، وعند إرادة النوم والله تعالى أعلم. قال:


كفاية الأخيار: (فصل: وجلود الميتة)

 (فَصْلٌ* وَجُلُوْدُ المَيْتَةِ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إِلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيْرِ وَمَا يَتَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدَهِمَا) الحيوان الذى ينجس بالموت إذا دبغ جلده يطهر بالدباغ، سواء فى ذلك مأكول اللحم وغيره، والأصل فى ذلك حديث ميمونة رضي الله عنها حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم فى شاتها (لو أخذتم إهابها فقالوا إنها ميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهره الماء والقرظ) رواه ابو داود والنسائى وإسناده حسن، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا دُبِغَ الْإيْهَابُ فقد طَهُرَ) رواه مسلم، ثم إذا دبغ الجلد طهر ظاهره قطعا وكذا باطنه على المشهور الجديد فيصلى عليه وفيه، ويستعمل فى الأشياء اليابسة والرطبة ويجوز بيعه وهبته والصية به، وهل يجوز أكله من مأكول اللحم؟ رجح الرافعى الجواز ورجح النووى التحريم، ويكون الدباغ بالأشياء المتنجسة والنجسة كذرق الحمام على الأصح ولا يكفى النجميد بالتراب والشمس على الصحيح، ويجب غسله بعد الدباغ أن دبغ بنجسة قطعا وكذا إن ذبغ بطاهر على الأصح قال الأصحاب: ويعتبر فى كونة صار مدبوغا ثلاثة أمور: أحدها نزع فضلاته. الثانى أن يطيب نفس الجلد. الثالث أن ينتهي فى الدبغ إلى حالة بحيث لو تقع فى الماء لم يعد الفساد والنتن والله أعلم، وأما [جلد الكلب والخنزير وفرع أحدهما] فلا يطهر بالدباغ عندنا بلا خلاف لأنهما نجسان فى حال الحياة والدباغ إنما يطهر جلد نجس بالموت لأن غاية الدباغ نزع الفضلات ودفع الإستحالات ومعلوم أن الحياة أبلغ فى ذلك من الدباغ فإذا لم تفد الحياة الطهارة فأولى أن لا يفيد الدباغ.

(وَعَظْمُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا نَجِسٌ إِلَّا الآدَمِيِّ) الأصل فى ذلك قوله تعالى: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)) وتحريم ماليس بحرام ولا ضرر فى أكله يدل على نجاسته، ولا شك أن العظم والشعر من أجزاء الحيوان، نعم فى الشعر خلاف فى أنه ينجس بالموت أم لا وهو قولان أحدهما لا ينجس لأنه لا تحله الحياة فلا روح فيه فلا ينجس بالموت بدليل أنه إذا قطع لا يحس ولا يألم وأظهرهما أنه ينجس وهو الذى جزم به الشيخ لأنه إن حلته الحياة فينجس إلا فينجس تبعا للجملة لأنه من جملتها كما يجب غسله فى الطهارة والجنابة. وأما العظم فيه خلاف، قيل أنه كالشعر والمذهب القطع بنجاسته لأنه يحس ويألم بالقطع والصوف والوبر والريش كالشعر، فإذا قلنا بنجاسة الشعر ففى شعر الآدمي قولان بناء على نجاسته بالموت إن قلنا بنجاسة الشعر ففى شعر الآدمي قولان بناء على نجاسته بالموت إن قلنا ينجس بالموت فكذا ينجس شعره، وإن قلنا لا ينجس وهو الراجح فلا ينجس شعره بالموت على الأصح والله أعلم. قال:

(وَلَا يجُوْزُ اسْتِعْمَالِ أَوَانِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَجُوْزُ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَوَانِيِّ) لما فى الحديث الصحيح من رواية جذيفة رضي الله تعالى عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيْرَ ولا الدِّيْبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الْأَخِرَةِ)) رواه البخارى ومسلم، وفى مسلم: (الَّذِى يَشْرَبُ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ))، وفِى رواية ((مَنْ شَرِبَ فِى إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ))، وفى رواية، ((إِنَّ الَّذِى يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ)) الحديث، وجيم يجرجر الثانية مكسورة بلا خلاف، قاله النووى، وفى الأقليد حكاية الخلاف، وأما النار فيجوز فيها الرفع والنصب، والنثب هو الصحيح، ومعناه أن شارب يلقى النار فى بطنه بتجرع متتابع يسمع له جرجرة، وهي الصوت لتردده فى خلقه، وعلى رواية الرفع تكون النار فاعلة، ومعناه أن النار تصوت فى جوفه: عافانا الله تعالى منها، ومن فعل يقربنا إليها، قال النووى فى شرح مسلم: قال أصحابنا انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب، وسائر الإستعمال فى إناء ذهب أو فضة إلا ما حكى عن داود، وقول قديم للشافعى أنه يكره، والمحققون لا يعتدون بخلاف داود، وكلام الشافعى مؤول. كما قاله صاحب التقريب، مع أن الشافعى رجح عن هذا القديم، فحصل أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب والفضة فى الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما والتبخر بمَبخرةٍ منهما، وجميع وجوه الإستعمال، ومنها المكحلة والميل وظرف الغالية وغير ذلك، سواء الإناء الصغير والكبير، ويستوى فى التحريم الرجل والمرأة بلا خلاف، وإنما فرق بين الرجل والمرأة فى التحلى لقصد زينة النساء للزوج والسيد، ويحرم استعمال ماء الورد والأدهان فى قماقم الذهب والفضة، هذا هو الصحيح، وفى القنانى، وكذا يحرم تزيين الحوانيت والبيوت والمجالس بأوانى الذهب والفضة: هذا هو الصواب، وجوزه بعض الأصحاب وهو غلط، لأن كل شيء أصله حرام فالنظر إليه حرام، وقد نص الشافعى والأصحاب أنه لو توضأ أو اغتسل من إناء ذهب أو فضة عصى ويحرم اتخاذ هذه الأوانى من غير استعمال على الصحيح، لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات اللهو: عفانا الله الكريم من تعاطى ماهو سبب للنار، ويحرم على الصائغ صنعته، ولا يستحق أجرة لأن فعله معصية، ولو كسر شخص هذه الأوانى، فلا أرش عليه، ولا يحل لأحج أن يطالبه بالأرش، ولا رفعه إلى ظالم من حكام زماننا، لأنهم جهلة ويتعاطون هذه الأوانى، حتى يشربون المسكر مع آلات اللهو. وفى حديث أبى هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((يُمْسَخُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى فى آخِرِ الزَّمان قِرَدَةً وخَنَازِرَ، قالوا يَا رَسُوْلَ اللهِ ألَيْسَ يَشْهَدُوْنَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَ بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ اتَّخَذُوا المَعَازِفَ وَالْقَيْنَاتِ، فَبَاتُوا عَلَى لَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ، فَأَصْبَحُوْا وَقَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِرَ)) وفى حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. قال ((مَنْ جَلَسَ إِلَى قَيْنَةٍ يستمع منها فى أذنيه الآنوك)) والآنوك بضم النون والمد هو الرصص المذاب والله أعلم. وأما أوانى غير الذهب والفضة فإن كانت من الجواهر النفيسة كاليقوت والفيروزج ونحوهما، فهل تحرم؟ فيه خلاف. قيل تحريم لما فيها من الخيلاء والسرف وكسر قلوب الفقراء، والصحيح أنها لا تحرم، ولا خلاف أنه لا يحرم الإناء الذى نفاسته فى صنعته ولا يكره كلبس الكتان والصوف النفيسين.

(فرع) لو اتخذ إناء من نحاس ونحوه وموهه بالذهب أو الفضة إن حصل بالعرض على النار منه شيء حرم على الصحيح، وإن لم يحصل بالعرض على النار منه شيء، فالمرجح فى هذا الباب أنه لا يحرم، والمرجح فى باب الزكاة النقدين أنه يحرم، قال النووى فى شرح المهذب، ولو موه وغيره من آلات الحرب أو غيرها بذهب تمويها لا يحصل منه بالعرض على النار شيء، فطريقان أصحهما وبه قطع العراقيون التحريم للحديث ويدخل فيه الخاتم والدواة والمرملة وغيرها فليجتنب ذلك والله أعلم. قال فى شرح المهذب: وتمويه سقف البيت وجداره بالذهب أو الفضة حرام قطعا، ثم إن حصل منه شيء بالعرض على النار حرمت استدامته وإلا فلا، وتبعه ابن رفعة على الجزم بذلك والله أعلم. قال:


كفاية الأخيار: كتاب الطهارة - (أقسام الماء)

[الكتاب] مشتق من الكتب، وهو الضم والجمع، يقال تكتب بنو فلان: إذا اجتمعوا، ومنه كتيبة الرمل. و[الطهارة] فى اللغة النظافة تقول طهرت الثوب: أي نظفته. وفى الشرع عبارة عن رفع الحدث أو إزالة النجس أو ما فى معناهما أو على صورتهما كالغسلة الثانية والثالثة والأغسال المسنونة وتجديد الوضوء والتيمم وغير ذلك مما لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا ولكنه فى معناه. قال:

(الْمِيَاه الَّتِى يَجُوْزُ بِهَا التَّطْهِيْرُ سبع مياه: مَاءُ السَّمَاءِ، وَمَاءُ الْبَحْرِ، وَمَاء النَّهْرِ، وَمَاءُ البِئْرِ، وَمَاءُ الْعَيْنِ، وَمَاءُ الثَّلْجِ، وَمَاءُ الْبَرَدِ): الأصل فى [ماء السماء] قوله تعالى: ((وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ))، وغيرها، وفى [ماء البحر] قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر فقال: ((هُوَ الطَّهُوْرُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)) صححه إبن حبان وابن السكن والترميذى والبخارى، وفى [ماء البئر] حديث سهل رضي الله تعالى عنه: ((قَالُوا يَا رَسُوْلَ اللهِ إِنَّكَ تَتَوَضَأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةٍ وَفِيْهَا مَا يُنْجِى الناس والحائض والجنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المَاءُ طَهُوْرٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْئٌ)) حسنه الترميذى وصححه الإمام أحمد وغيره، و[ماء النهر]، و[ماء العين] فى معناه: وأما [ماء الثلج]، و[ماء البرد] فالأصل فيه حديث أبى هريرة رضي الله عنه، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر فى الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله ما تقول؟ قال: أقول: أللهم باعد بينى وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس: اللهم أغسلنى من خطاياي بماء الثلج والبرد)): رواه البخارى ومسلم. قال:

(ثُمَّ الْمِيَاهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: طَاهِرٌ مُطّهِّرٌ غَيْرُ مَكْرُوْهٍ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ): الْمَاءُ الَّذِى يَرْفع الحدث ويزيل النجس هو [الماء المطلق]: واختلف فى حده، فقيل هو العارى عن القيود والإضافة اللازمة، وهذا هو الصحيح فى الروضة والمحرر، ونص عليه الشافعى، فقوله: عن القيود خرج به مثل قوله تعالى [مِنْ مَاءٍ ذَافِقٍ]، وقوله الإضافة اللازمة خرج به مثل ماء الورد ونحوه، واحترز بالإضافة اللازمة عن الإضافة غير اللازمة كماء النهر ونحوه فإنه لا تخرجه هذه الإضافة عن كونه يرفع الحدث ويزيل النجس لبقاء الإطلاق عليه، وقيل الماء المطلق هو الباقى على وصف خلقته، وقيل ما يسمى ماء، وسمي مطلقا لأن الماء إذا أطلق انصرف إليه، وهذا ما ذكره ابن الصلاح وتبعه النووى عليه فى شرح المهذب.  قال:

(وَطَاهِرٌ مُطَهِّرٌ مَكْرُوْهٌ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ) هذا هو القسم الثانى أقسام الماء وهو الماء المشمس، وهو [طاهر] فى نفسه لأنه لم يلق ننجاسة و[مطهر] أي يرفع الحدث ويزيل النجس لبقاء إطلاق اسم الماء عليه، وهي يكره؟ فيه خلاف: الأصح عند الرافعى أني يكره وهو الذى جزم به المصنف واحتج له الرافعى بأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (نَهَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنِ الْمُشَمَّسِ وَقَالَ أَنَّهُ يُوْرِثُ الْبَرَصَ) وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ مُشَمَّسٍ فَأَصَابَهُ وَضحٌ فَلَا يَلُوْمَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) وكرَّهه عمر رضي الله تعالى عنه وقال أنه يورث البرص فعلى هذا إنما يكره المشمس بشرطين: أحدهما: أن يكون التشميس فى الأوانى المنطبعة كالنحاس والحديد والرصاص لأن الشمس إذا أثرت فيها خرج منه زهومة تعلو على وجه الماء ومنها يتولد البرص، ولا يتأتى ذلك فى إناء الذهب والفضة لصفاء جوهرهما لكنه يحرم استعمالهما على ما يأتى ذكره فلو صب الماء المشمس من إناء الذهب والفضة فى إناء مباح لا يكره لفقد الزهومة وكذا لا يكره فى أوانى الخزف وغيرها لفقد العلة. الشرط الثانى: أن يقع أن يقع التشميس فى البلاد الشديدة الحرارة دون الباردة والمعتدلة فإن تأثير الشمس فيهما ضعيف ولا فرق بين أن يقصد التشميس أم لا لوجود المحذور ولا يكره المشمس فى الحياض والبرك بلا حلاف، وهل الكراهة شرعية أو إرشادية فيه وجهان أصحهما فى شرح المهذب أنها شرعية فعلى هذا يثاب على ترك استعماله، وعلى الثانى وهي أنها إرشادية لا يثاب فيها لأنها من وجهة الطب، وقيل أن المشمس لا يكره مطلقا وعزاه الرافعى إلى الأئمة الثلاثة. قال النووى فى زيادة الروضة وهو الراجح من حيث الدليل وهو مذهب أكثر العلماء وليس للكراهة دليل يعتمد، وإذا قلنا بالكراهة فهي كراهة تنزيه لا تمنع صحة الطهارة ويختص استعماله بالبدن وتزول بالتبريد على الأصح. وفى الثالث يراجع الأطباء والله أعلم إنتهى، وما صححه من زوال الكراهية بالتبريد قد صحح الرافعى فى الشرح الصغير بقاءها وقال فى شرح المهذب الصواب أنه لا يكره، وحديث عائشة هذا ضعيف باتفاق المحدثين ومنهم من جعله موضوعا وكذا ما رواه الشافعى عن عمر بن الخطاب أنه يورث البرص ضعيف لاتفاق المحدثين على تضعيف إبراهيم بن محمد، وحديث ابن عباس غير معروف والله أعلم. وما ذكره من أثر عمر رضي الله عنه فممنوع، ودعواه الإتفاق على تضعيف إبراهيم أحد الرواة غير مسلم فإن الشَّافعي وثقه وفى توثيق الشَّافِعى كفاية، وقد وثقه غير واحد من الحفاظ، ورواه الدارقطنى بإسناد آخر صحيح قال النووى فى زيادة الروضة ويكره شديد الحرارة والبرودة والله أعلم. والعلة فيه عدم الإسباغ، وقال فى آبار ثمود أنه منهي عنه فأقل المراتب أنه يكره استعمالها. قال:

(وَطَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ: وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ) هذا القسم الثالث من أقسام الماء، وهو الماء المستعمل فى رفع الحدث أو إزالة النجس إذا لم يتغير ولا زاد وزنه فهو طاهر لقوله عليه الصلاة والسلام (خَلَقَ اللهُ الْمَاءَ طَهُوْرًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ رِيْحُهُ): وفى ابن ماجه (أَوْ لَوْنُهُ) وهو ضعيف، والثابت (طعمه أو ريحه) فقط: وهل هو طهور يرفع الحدث ويزيل النجس أيضا؟ فيه خلاف، المذهب أنه غير طهور، لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع شدة اعتنائهم بالدين ما كانوا يجمعونه ليتوضئوا له ثانيا ولو كان ذلك سائغا لفعلوه، واختلف الأصحاب فى علة منع استعماله ثانيا، والصحيح أنه تأدى به فرض، وقيل أنه تأدَّى به عبادة وتظهر فائدة الخلاف فى صورتين: الأولى فيما استعمل فى نفل الطهارة كتجديد الوضوء والأغسال المسنونة، والغسلة الثانية والثالثة فعلى الصحيح يكون الماء طهورا لأنه لم يتأد به فرض، وعلى الضعيف لا يكون طهورا لأنه تأدى به عبادة، ولا خلاف أن ماء الرابعة طهور على العلتين لأنه لم يتأد به فرض، ولا هي مشروعية، والغسلة الأولى غير طهور على العلتين لتأذى الفرض والعبادة بمائها: الصورة الثانية الماء الذى اغتسلت به الكتابية عن الحيض لتحل لزوجها المسلم هو طهور؟ ينبني على أنها لو أسلمت هل يلزمها إعادة الغسل وفيه خلاف، إن قلنا لا يلزمها فهو غير طهور، وإن قلنا يلزمها إعادة الغسل، وهو الصحيح: ففى الماء الذى استعملته حال الكفر وجهان مبنيان على العلتين. إن قلنا أن العلة تأدى الفرض فالماء غير طهور، وإن قلنا أن العلة تأدى العبادة فهو طهور لأن الكافرة ليست من أهل العبادة *واعلم أن الزوجة المجنونة إذا حاضت وغسلها زوجها حكمها حكم الكافرة فيما ذكرناه، وهي مسألة حسنة ذكره الرافعى فى صفة الوضوء، وأسقطها النووى من الروضة * واعلم أن الماء الذى توضأ به الصبى غير طهور، وكذا الماء الذى يتوضأ به المنتفل، وكذا من لا يعتقد وجوب النية على الصحيح فى المجميع، ثم مادام الماء مترددا على العضو لا يثبت له حكم الإستعمال ولو جرى الماء من عضو المتوضئ إلى عضو آخر صار مستعملا حتى لو انتقل من إحدى اليدين إلى الأخرى صار مستعملا، ولو انتقل الماء الذى يغلب فيه الإنتقال من عضو إلى موضع آخر من ذلك العضو كالحاصل عند نقله من الكف إلى الساعد ورده إلى الكف ونحوه لا يضر انتقاله، وإن خرقه الهواء، وهي مسألة حسنة ذكرها الرافعى فى آخر الباب الثانى من أبواب التيمم، وأهملها النووى إلا أنه ذكر هنا من زيادة الروضة أنه لو انفصل الماء من بعض أعضاء الجنب إلى بعضه وجهين: الأصح عند الماوردى والرويانى أنه لا يضر ولا يصير مستعملا والراجح الخراسانيين أنه يصير مستعملا، وقال الإمام أن نقله قصدا صار مستعملا وإلا فلا، وصحح النووى فى التحقيق أنه يصير مستعملا، وصحح إبن رفعة أنه لا يصير مستعملا، ولو انغمس جنب فى ماء دون قلتين وعم جميع بدنه ثم نوى ارتفعت جنابته بلا خلاف وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى غيره ولا يصير مستعملا بالنسبة إليه صرح به الخوارزمى حتى إنه قال لو أحدث حدثا ثانياا حال انغماسه جاز ارتفاعه به وإن نوى الجنب قبل تمام الإنغماس ارتفعت جنابته عن الجزء الملاقى للماء بلا خلاف ولا يصير الماء مستعملا بل له أن يتم الإنغماس وترتفع عن الجنابة عن الباقى على الصحيح المنصوص والله أعلم. قال:

(وَالْمُتَغَيِّرُ بِمَا خَالَطَهُ مِنَ الطَّاهِرَاتِ) هذا من تتمة القسم الثالث، وتقدير الكلام والماء المتغير بشيء من الطاهرات طاهر فى نفسه غير مطهر كالماء المستعمل، وضابطه أن كل تغير يمنع اسم الماء المطلق يسلب الطهورية وإلا فلا، فلو تغير تغيرا يسيرا فالأصح أنه طهور لبقاء الإسم. وقوله [بما خالطه] احترزا عما إذا تغير بما يجاوره ولو كان تغيرا كثيرا فإنه باق على طهوريته كما إذا تغير بدهن أو شمع، وهذا هو الصحيح لبقاء اسم الماء ولا بد أن يكون الواقع فى الماء مما يستغنى عن كالزعفران والجص ونخوهما، أما إذا كان التغير بما لا يستغنى الماء عن كالطين والطحلب والنورة والزرنيخ وغيرها فى مقر الماء وممره والمتغير بطول المكث: فإنه طهور للعسر وبقاء اسم الماء، ويكفى فى التغير أحد الأوصاف الثلاثة: الطعم أو اللون أو الرائحة على الصحيح، وفى وجه ضعيف يشترط اجتماعها ولا فرق بين التغير المشاهد أو التغير المعنوى كما إذا إختلط بالماء ما يوافقه فى صفاته كماء الورد المنقطع الرائحة وماء الشجر والماء المستعمل: فإنا نقدر أن لو كان الواقع يغيره بما يدرك بالحواس ويسلبه الطهورية، فإنا نحكم بسلب طهورية، ولو تغير الماء بالتراب المطروح فيه قصدا فهو طهور على الصحيح، والمتغير بالملح فيه أوجه: أصحها يسلب طهوريته الجبلى دون المائى، ولو تغير الماء بأوراق الأشجار المتناثرة بنفسها إن لم تتفتت فى الماء فهو طهور على الأظهر وإن تفتتت واختلطت فأوجه: الأصح أنه باق على طهوريته لعسر الاختراز عنها، فلو طرحت الأوراق فى الماء قصدا بها فالمذهب أنه غير طهور سواء طرحها صحيحة أو مدقوقة. والله أعلم.

(وَمَاءٌ نَجِسٌ، وَهُوَ الَّذِى حَلَّتْ فِيْهِ نَجَاسَةٌ، وَهُوَ دُوْنَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَتَغَيَّرَ) هذا هو القسم الرابع من المياه وهو كما ذكره ينقسم إلى قليل وكثير فأما القليل فينجس بملاقة النجاسة المؤثرة سواء تغير أم لا كما أطلقه الشيخ لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: (إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا) وفى رواية (نَجَسَا): فدل الحديث بمفهومه على أنه إذا كان دون القلتين يتأثر بالنجاسة، واحترز بالنجاسة المؤثرة عن غسر المؤثرة قال النووى فى الروضة كالميتة التى لا نفس لها سائلة مثل الذباب والخنافس ونحوها وكالجاسة التى لا يدركها الطرف لعموم البلوى به وكما إذا وقع الذباب على نجسة ثم سقط فى الماء، ورشاش البول الذى لا يدكه الطرف فيعفى عنه وكما إذا ولغت الهرة التى تنجس فمها ثم غابت واحتمل طهارة فمها فإن الماء القليل لا ينجس فى هذه الصور، ويستثنى أيضا اليسير من الشعر النجس فلا ينجس الماء القليل صرح به النووى فى باب الأوانى من زيادته ونقله عن الأصحاب. قال:

(وَلَا يَخْتَصُّ بِشَعْرِ الآدَمِيِّ فِى الأصحِّ) أي تفريعا على نجاسة شعر الآدمي ثم قال (وَيُعْرَفُ الْيَسِيْرُ بِالْعُرْفِ) قال الإمام لعله الذى يغلب انتتافه لكنه قال فى شرح المهذب يعفى عن الشعرة والشعرتين والثلاث، ويستثنى أيضا الحيوان إذا كان على منفذه نجاسة ثم وقع فى الماء فإنه لا ينجسه على الأصح لمشقة صونه ذكره الرافعى فى شروط الصلاة بخلاف لو كان مستجمرا بحجر ينجسه بلا خلاف كما قال فى شرح المهذب، فإن المستجمر بالحجر ونخوه يمكنه الإحتراز، ويستثنى أيضا ما إذا أكل الصبى شيأ نجسا ثم غاب واحتمل طهارة فمه كالهرة فإنه لا ينجس الماء القليل ذكر ذلك ابن الصلاح وهي مسأة حسنة، وقال مالك رحمه الله تعالى: الماء القليل لا ينجس إلا بالتغير كالكثيرة وهو وجه فى مذهبنا واختاره الويانى وفى قول قديم أن الماء الجارى لا ينجس إلا بالتغير واختاره جماعة منهم الغيزالى والبيضاوى فى كتابة غاية القصوى وهو قوي من حيث النظر لأن دلالة (خَلَقَ اللهُ الماءَ طَهُوْرًا) دلالة نطق وهي أرجح من دلالة المفهوم فى قوله عليه الصلاة والسلام (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ)  الحديث، وأما الكثير وهو قلتان فصاعدا فلا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم: (خَلَقَ اللهُ الْمَاءَ طَهُوْرًا) الحديث، والإجماع منعقد على نجاسته بالتغير، ثم لا فرق بين التغير اليسير والكثير سواء تغير الطعم أو اللون أو الرائحة وهذا لا اختلاف فيه هنا بخلاف مامر فى التغير بالطاهر، وسواء كانت النجاسة الملاقية للماء مخالطة أو مجاورة وفى وجه شاذ أن النجاسة المجاورة لا تنجسه وقوله [حلت فيه نجاسة] احترز به عما لو تروح الماء بجيفه ملقاة على شط الماء فإنه لا ينجس لعدم الملاقاة وقوله [فتغير] احترز عما إذا لم يتغير الماء الكثير بالنجاسة وقد تكون قليلة وتستهلك فى الماء فإنه لا ينجس وينستعمل جميع الماء على المذهب الصحيح، وفى وجه  يبقى قدر النجاسة، ولو وقع فى الماء الكثير نجاسة توافقه فى صفاته كبول منقطع الرائحة فأنا نقدره على ما تقدم فى الطاهرات، ولو وقع فى الماء الكثير نجاسة جامدو فقولان، الأظهر أنه يجوز له أن يغترف فى أي موضع شاء ولا يجب التباعد لأنه طاهر كله، والقول الأخر أنه يتباعد عن النجاسة قدر القلتين، ولو تغير بعض الماء الكثير فالأصح فى الرَّافِعى الكبير نجاسة جميع الماء والأصح فى زيادة الروضة إن كان الباقى دون القلتين فنجس وإلا فطاهر ورجحه الرافعى فى الشرح الصغير والله أعلم. (فرع) فى زيادة الروضة إذا وقع فى الماء نجاسة وشك هل هو قلتان أم لا فالذى جزم به الماوردى وغيره أنه نجس لتحقق النجاسة، وللإمام فيه احتمال، والمختار بل الصواب الجزم بطهارته لأن الأصل طهارته ولا يلزم من النجاسة التنجس والله أعلم. قال:

(وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمائَةِ رِطْلٍ بالْعِرَاقِيِّ تَقْرِيْبًا فِى الأَصَحِّ)، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هجر لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) قال الشافعى رضي الله عنه قال ابن جريج رأيت قلال هجر والقلة تسع فربتين أو قربتين وشيئا، فأحاط الشافعى رضي الله تعالى عنه، وجعل الشيء نصفا، والقربة لا تزيد فى الغالب على مائة رطل، وحينئذ فجملة ذلك خمس قرب، وهي خمسمائة رطل بالعراقى، وهل ذلك على سبيل التقريب أو التحديد؟ الأصح على سبيل التقريب، فعلى هذا الأصح أنه لا يضر نقصان قدر لا يظهر بنقصه تفاوت فى التغير بقدر من المغيرات، مثاله لو وضعنا قدر رطل من المغيرات فى خمسمائة رطل ما تأثرت، ولو نقصنا من ماء آخر قدر رطلين مثلا أو ثلاثة وهي خمسمائة رطل ووضعنا قدر رطل ما تأثرت، فهذا النقصان لا يؤثر، فلو وضعنا قدر رطل من الغيرات فى خمسمائة رطل إلا خمسة أرطال مثلا فأثر، قلنا هذا النقص يؤثر: وعلى قول التحديد يضر أيّ نقص كان كنصب الزكاة وقيل يعفى عن نقص رطلين: وقيل ثلاثة ونحوها، وقدر القلتين بالمساحة ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، وقدرهما بالدمشقى مائة رطل وثمانية أرطال، وثلثى رطل تقريبا على قول الرافعى، إن رطل بغداد مائة وثلاثون درهما والله أعلم.

كفاية الأخيار: المقدمة

 من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين (حديث شريف)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى خلق الموجودات من ظلمة العدم بنور الإيجاد. وجعلها دليل على وحدنيته لذوى البصائر إلى يوم المعاد. وشرع شرعا اختاره لنفسه. وأنزل به كتابه وأرسل به سيد العباد. فأوضح لنا محجته وقال هذه سبيل الرشاد. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأتباعه صلاة زكية بلا نفاذ.

(وبعد) فإن الأنفس الزكية. الطالبة للمراتب العلية. لم تزل تدأب فى تحصيل العلوم الشرعية، ومن جملتها معرفة الفروع الفقهية. لأن بها تندفع الوساوس الشيطانية، وتصح المعاملات والعبادات المرضية. وناهيك بالفقه شرفا قول سيد السابقين واللاحقين. صلى الله تعالى عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّيْنِ)) رواه الشيخان من رواية معاوية، وعن أبى هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((مَا عُبِدَ اللهُ سُبْحَانَهُ بِشَيْئٍ أَفْضَلَ مِنْ فْقْهٍ فِى الدِّيْنِ)) رَوَاهُ الترميذى فى جامعه، وعن يحيى بن أبى كثير فى قوله تعالى ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيْدُوْنَ وَجْهَه)) قال: مجالس الذكر. قال عطاء فى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوْا. قالوا: يارسول الله وَمَا رِياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذِكْرِ)) قال عطاء الذكر هو مجالس الحلال والحرام. كيف تشترى كيف تبيع وتصلى وتصوم وتحج وتنكح وتطلق وأشباه ذلك، وقال سفيان بن عيينة. لم يعط أحد بعد النبوة أفضل من العلم والفقه فى الدين، وقال أبو هريرة وأبو ذر رضي الله تعالى عنهما باب من العلم تتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: لموت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت العلم البصير بحلال الله تعالى وحرامه، والآيات والأخبار والآثار فى ذلك كثيرة.

فإذا كان الفقه بهذه المرتبة الشريفة. والمزايا المنيفة. كان الإهتمام به فى الدرجة الأولى. وصرف الأوقات النفيسة بل كل العمر فى أولى، لأن سبيله سبيل الجنة. والعمل به حرز من النار وجنة، وهذا لمن طلبه للتفقه فى الدين على سبيل النجاة. لا لقصد الترفع على الأقران والمال والجاه، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ((مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيْبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه أبو داود بإسناد صحيح، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام ((مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يُكَاثِرَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يَصْرِفَ وُجُوْهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) عَافانا الله الكريم من ذلك.

إعلم أن طلاب العلم مختلفون باختلاف مقاصدهم. وهممهم مختلفة باختلاف مراتبهم. فهذا يطلب الغوص فى البحر ونحوه لنيل الدرر الكبار. وهذا يقنع بما يجد فى غاية الإختصار.  ثم هذا القانع صنفان: أحدهما ذو عيال قد غلبه الكد، والآخر متوجه إلى الله تعالى بصدق وجد. فلا الأول يقدر على ملازمة الخلق، والسالك مشغول بما هو يصدده ليله ونهاره مع نفسه فى قلق، فأردت راحة كل منهما ببقاء ماهو عليه وترك سعي كل منهما فيما تدعو الحاجة إليه وأرجو من الله العزيز القدير. تسهيل ما يحصل به الإيضاح والتيسير. فإنه رجاء الراجين. وجابر الضعفاء والمنكسرين، ووسمت كتابى هذا بـ: (ـكفاية الأخيار، فى حل غاية الإختصار) وأسأل الله العظيم الغفار. العفو عنى وعن أحبابى من مكره وغضبه وعذاب النار. أنه على ما يشاء قدير، وبالإيجابة جدير. قال الشيخ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم. الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ) [الحمد] هو الثناء على الله تعالى بجميل صفاته الذاتية وغيرها، والشكر هو الثناء عليه بإنعامه، ولهذا يحسن أن تقول حمدت فلانا على علمه وسخائه ولا تقول شكرته على علمه، فكر شركر حمد وليس كل حمد شكرا، وقيل غير ذلك [الله] اللام فى الإسم الكريم للإستحقاق كما تقول الدار لزيد، وأضيف الحمد إلى هذا الإسم الكريم دون بقية الأسماء لأنه اسم ذات وليس بمشتق، والمحققون على أنه مشتق [رب العالمين] الرب يكون بمعنى المالك ويكون بمعنى التربية والإصلاح، لهذا يقال ربى فلان الضيعة: أي أصلحها فالله تعالى مالك العالمين ومربيهم سبحانه وتعالى، والعالمين جمع عالم لا واحد له من لفظه، واختلف العلماء فيهم فقيل هم الإنس والجن قاله ابن عباس، وقيل جميع المخلوقين. قاله قتادة والحسن ومجاهد. قال:

(وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ) الصلاة من الله رحمة، ومن الملائكة الإستغفار ومن الآدمي تضرع ودعاء، وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا لكثرة خصاله المحمودة، واختلف فى الآل فقيل هم بنو هاشم وبنو المطلب وهذا ما اختاره الشافعى وأصحابه، وقيل هم عترته وأهل بيته، وقيل آله جميع أمته واختاره جمع من المحققين ومنهم الأزهرى [والأصحاب] جمع صاحب، وهو كل مسلم رأى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصحبه ولو ساعة، وقيل من طالت صحبته ومجالسته، والأول هو الراجح عند المحدثين، والثانى هو الراجح عند الأصوليين. قال الشيخ (سأَلَنِى بَعْضُ أَصْدِقَائِى حَفِظَهُمُ اللهُ تَعَالَى أَنْ أَعْمَلَ مُخْتَصَرًا فِى الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِى فِى غَايَةِ الْإخْتِصَارِ وَنِهَايَةِ الْإِجَازِ يَخِفُّ عَلَى الطَالِبِ فَهْمُهُ وَيَسْهُلُ على المُبْتَدِيءِ حِفْظُهُ وَأَنْ أُكْثِرَ فِيْهِ مِنَ التَّقْسِيمَاتِ وَحَصْرِ الْخِصَالِ فَأَجَبْتُهُ إِلَى ذَلِكَ طَالِبًا لِلثَّوَابِ، رَاغِبًا إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ فِى التَّوْفِيْقِ لِلصَّوَابِ. إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيْرٌ. وُبِعِبَادِهِ خَبِيْرٌ بَصِيْرٌ) [المختصر] ما قل لفظه وكثرت معانيه، و[مذهب الشافعى] طريقته، والشافعى منسوب إلى جده شافع، وكنايته أبو عبد الله، واسمه مخمد بن إدريس بن العباس ين عثمان ين شافع ين السائب بن عبيد ين يزيد ين هاشم ين المطلب بن عبد مناف، ويلتقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف، فإنه عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، والنسبة الصحيحة إليه شافعى، وشفعوى لحن. و[غاية] الشيء معناها ترتيب الأثر على ذلك الشيء كما تقول غاية البيع الصحيح حل الإنتفاع بالمبيع، وغاية الصلاة الصحيحة إجزاؤها وعدم القضاء، والمراد هنا نهاية وجازة اللفظ، و[التوفيق] هو خلق قدرة الطاعة بخلاف الخذلان فإنه خلق قدر االمعصية، و[الصواب] ضد الخطاء والله أعلم.


تفسير مقاتل بن سليمان: سورة الفاتحة (1-7)

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) ...